للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعبدوا معه، مشيرًا إلى الذي لم يكسره. وعن الكسائي: أنه يقف على (بَلْ فَعَلَهُ) أي: فعله من فعله، ثم ابتدأ:

كبيرهم هذا يُخبركم فسلوه ... الخ، والأكثر: أنه لا وقف، والفاعل: كبيرهم. و «هذا» : بدل، أو وصف، ونسبَ الفعل إلى كبيرهم، وقصده تقريره لنفسه وإسناده لها، على أسلوب تعريضي تبكيتًا لهم، وإلزامًا للحجة عليهم، لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح عَلِموا عجز كبيرهم، وأنه لا يصلح للألوهية، وهذا كما لو كتبت كتابًا بخط أنيق، وأنت شهير بحسن الخط، ومعك صاحب أُميّ، فقال لك قائل: أأنت كتبت هذا؟ فتقول: بل كتبه هذا، وهو يعلم أنه أُميّ لا يُحسن الكتابة، فهو تقرير لإثبات الكتابة لك على أبلغ وجه.

قال الكواشي: ومن الجائز أن يكون أَذِنَ الله تعالى له في ذلك كما أَذِنَ ليوسف حين نادى على إخوته: إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ «١» ، ولم يكونوا سارقين لِمَا في ذلك من المصلحة لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح، وسألوا، عَلِمُوا أن كبيرهم لم يفعل شيئًا، وأنه عاجز عن النطق، فضلاً عن الفعل، فلا يجوز أن يُعبد، ولا يستحق العبادة إلا القادر الفعال. هـ.

وقيل: اسند الفعل إلى كبيرهم لأنه الحامل له على كسرها، حيث رآه يُعظَّم أكثر منها، ويُعبد من دون الله، فاشتد غضبه حتى كسرها، وهو بعيد إذ لو كان كذلك لكسره أولاً، فتحصل أنه عليه السلام إنما قصد التعريض بعبادتهم، لا الإخبار المحض، حتى يكون كذبًا. فإن قلت: قد ورد في الحديث إن إبراهيم كذب ثلاث كذبات «٢» ؟

فالجواب: أن معنى ذلك: أنه قال قولاً ظاهره الكذب، وإن كان القصد به معنى آخر. قاله ابن جزي.

ثم قال لهم: فَسْئَلُوهُمْ عن حالهم، إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فتجيبكم بمن كسرهم، وأنتم تعلمون عجزهم عنه، فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أي: رجعوا إلى عقولهم، وتفكروا بقلوبهم، وتذكروا أنَّ ما لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإخبار بمن كسره، فكيف يستحق أن يكون معبودًا؟ فَقالُوا أي: قال بعضهم لبعض: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ على الحقيقة، حيث عبدتم من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع لأنَّ من لا يدفع عن رأسه الفأس، فكيف يدفع عن عابده البأس! فأنتم الظالمون بعبادتها لا من ظلمتموه بقولكم: (إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) . أو: أنتم الظالمون لا من كسرها، ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ، وردّوا إلى أسفل سافلين، أُجري الحقُّ على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة، أي: انقلبوا إلى المجادلة، بعد ما استقاموا بالمراجعة، شَبَّه عودهم


(١) من الآية ٧٠ من سورة يوسف.
(٢) الحديث أخرجه البخاري فى (أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا.) ومسلم فى «الفضائل، باب من فضائل إبراهيم» من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>