للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر رسالة موسى وهارون- عليهما السلام- فقال:

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٥ الى ٤٩]

ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)

قلت: «هارون» : بدل من «أخاه» .

يقول الحق جلّ جلاله: ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا التسع من اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص الثمرات، والطاعون. ولا مساغ لعدّ فلق البحر منها إذ المراد الآيات التي كذبُوها واستكبروا عنها، بدليل ما بعدها. وَسُلْطانٍ مُبِينٍ وحجة واضحة مُلزِمَة للخصم الإقرار بما دُعي إليه، وهي إمّا العصا، وإفرادها بالذكر مع اندراجها في الآيات لأنها أبهر آياته عليه السلام، وقد تضمنت معجزات شتى من انقلابها ثعباناً، وتلقفها ما أفكته السحرة، كما تقدم. وأما التعرض لانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربها، وحراستها، وصيرورتها شمعة، وشجرة خضراء مثمرة، ودلْواً ورشاء، وغير ذلك مما ظهر منها في غير مشهد فرعون وقومه، فغير ملائم لمقتضى المقام، وإمّا ما أتى به من الحجج الباهرة، فيشمل ما تقدم وغيره.

إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي: أشراف قومه، خصهم بالذكر ليرتب عليه ما بعده من قوله: فَاسْتَكْبَرُوا عن الإنقياد وتمردوا. تكبراً وترفعاً، وَكانُوا قَوْماً عالِينَ: متكبرين، متمردين، فَقالُوا، فيما بينهم، على طريق المناصحة: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا، «مثل» و «غير» يوصف بها الإثنان والجمع والمذكر والمؤنث، والبشر يطلق على الواحد، كقوله: بَشَراً سَوِيًّا

«١» ، وعلى الجمع، كقوله: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً «٢» ، وأراد به هنا الواحد، فثناه، أي: كيف نؤمن لبشرين مثلنا في العجز والافتقار، وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ أي: خادمون منقادون لنا كالعبيد، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بهما- عليهما السلام-، وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية، بناء على زعمهم الفاسد، من قياس الرئاسة الدينية على الرئاسات الدنيوية، الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية، من المال والجاه، كدأب قريش، حيث قالوا: لَوْ كانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونا إِلَيْهِ «٣» . وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «٤» . وعلى جهلهم بأن مناط الاصطفاء


(١) من الآية ١٧ من سورة مريم.
(٢) من الآية ٢٦ من سورة مريم.
(٣) الآية ١١ من سورة الأحقاف.
(٤) الآية ٣١ من سورة الزخرف. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>