للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسَلَّطْ عليهم شيء، يخالطون الناس بجسمهم، ويباينونهم بسرهم، فالدنيا سوق تجارتهم، والمعرفة رأس بضاعتهم، والعدل في الغضب والرضا مِيزانُهم، والقصد في الفقر والغنى عُنْوانهم، والعلم بالله مفزعهم ومنجاهم، والقرآن كتاب الإذن من مولاهم، والفهم عن الله مرجعهم ومأواهم.

ومثال الثالث، وهو المُكَاتَب: الصالحون من المؤمنين يعملون على فك رقبتهم من النار، فإذا أدوا ما فرض عليهم حررهم بعد موتهم، وأسكنهم فسيح جناته. ومثال الآبق: هم العصاة والفجار، استمروا على عصيانهم، حتى قدموا على الملك الجبار، فهم تحت حكم المشيئة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم. والله تعالى أعلم.

ولما أمر بتزويج الإماء نهى عن إكراههن على الزنا، فقال:

وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ ...

يقول الحق جلّ جلاله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ أي: إِمَاءَكُمْ، يقال للعبد: فتى، وللأمة: فتاة. والجمع:

فتيات، عَلَى الْبِغاءِ أي: الزنا، وهو خاص بزنا النساء. كان لابن أُبيِّ ست جوار: مُعَاذَة، ومُسَيْكَة، وأميمة، وعَمْرَة، وأَرْوَى، وقُتَيْلَة، وكان يكرههن، ويضرب عليهن الضرائب لذلك، فشكتِ ثنتان منهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية «١» .

وقوله تعالى: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً أي: تعففاً، ليس قيداً في النهي عن الإكراه، بل جرى على سبب النزول، فالإكراه: إنما يُتَصَوَّرُ مع إرادة التَّحَصُّنِ لأن المطيعة لا تسمى مكرهة، ثم خصوص السبب لا يُوجب تخصيص الحُكم على صورة السبب، فلا يختص النهي عن الإكراه بإرادة التعفف، وكذلك الأمر بالزنا، والإذن فيه لا يُبَاحُ ولا يجوز شيء من ذلك للسيد، وما يقبض من تلك الناحية سُحْتٌ وربا. وفيه توبيخ للموالي لأن الإماء إذا رغبن في التحصن فأنتم أولى بذلك، ثم علل الإكراه بقوله: لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن وأولادهن، جيءَ به تشنيعاً لهم على ما هم عليه من أحمال الوزر الكبير لأجل النزر الحقير، أي:

لا تفعلوا ذلك لطلب المتاع السريع الزوال، الوشيك الاضمحلال.


(١) عزاه المناوى، فى الفتح السماوي (٢/ ٨٧٤) للثعلبى عن مقاتل، وأخرج مسلم فى (التفسير، باب فى قول الله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ ٣٠٢٩) عن جابر، قال: إن جارية لعبد الله بن أُبيّ، يقال لها: «مسيكة» ، وأخرى يقال لها: «أميمة» فكان:
يكرههما على الزنا، فشكتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>