للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر خروج موسى عليه السلام من مصر وتوجهه إلى البحر، فقال:

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٥٢ الى ٥٩]

وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦)

فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩)

قلت: أسرى وسرى: لغتان، وقرئ بهما.

يقول الحق جلّ جلاله: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بقطع الهمزة ووصلها، أي: سر بِعِبادِي ليلاً. وسماهم عباده لإيمانهم بنبيهم، وذلك بعد إيمان السحرة بسنين، أقام بين أظهرهم، يدعوهم إلى الحق ويُظهر لهم الآيات، ثم أمره بالخروج، وقال: إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ أي: يتبعكم فرعونُ وجنوده مصبحين، فأسر بمن معك حتى لا يدركوكم قبل الوصول إلى البحر، فيدخلوا مداخلكم، فأُطبقه عليهم فأُغرقهم. رُوي أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوت القبط ولد، فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه. ورُوي أن الله أوحى إلى موسى:

أن اجمع بنى إسرائيل، كلّ أربعة ابيات في بيت، ثم اذبحوا أولاد الضأن، فاضربوا بدمائها على أبوابكم، فإني سآمر الملائكة فلا تدخل بيتاً فيه دم، وسآمرها فتقتل أبكار القبط، وأخبزوا فطيراً فإنه أسرع لكم، ثم أَسْرِ بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري. «١» هـ. وحكمة لطخ الدم ليتميز بيوت بني إسرائيل، فلا تقتل الملائكة فيها أحداً. عاملهم على قدر عقولهم، وإلا فالملك لا يخفى عليه ما أُمر به.

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ حين أخبر بمسيرهم فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ جامعين للعساكر ليتبعهم، فلما اجتمعوا قال: إِنَّ هؤُلاءِ، يريد بني إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ طائفة قليلة قَلِيلُونَ، ذكرهم بالاسم الدالّ على القلة، ثم جعلهم قليلاً بالوصف، ثم جمع القليل، فيدل على أنّ كلّ حزب منهم قليل. أو: أراد بالقلة: الذلة، لا قلة العدد، أي: إنهم لذلتهم، لا يُبالي بهم، ولا يتوقع غلبتهم. قال ابن عرفة: شرذمة: تقليل لهم باعتبار الكيفية، وقليلون:

باعتبار الكمية، وإنما استقلّ قوم موسى- وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً- لكثرة مَن معه، فعن الضحاك: كانوا سبعة آلاف ألف، ورُوي أنه أرسل في أثرهم ألفَ ألف وخمسمائة ألف ملِك مُسوّر، مع كل ملِك ألفٌ، وخرج فرعون في جمع عظيم، وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل على حصان، وعلى رأسه بيضة. وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنه خرج فرعون في ألف ألف حصان، من سوى الإناث. هـ «٢» .


(١) انظر تفسير الطبري (١٩/ ٧٦) ، والدر المنثور (٥/ ١٥٨) والبغوي (٦/ ١١٣) .
(٢) قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره (٣/ ٣٣٦) بعد ذكره لبعض الأقوال فى تعيين عدد الذين خرجوا مع فرعون: والظاهر أن ذلك من مجازفات بنى إسرائيل، والله أعلم. والذي أخبر به القرآن هو النافع، ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته، لأنهم خرجوا بأجمعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>