للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي: تفقد مكث سليمان حين تفقد الهدهد، وأرسل من ورائه غير زمان بعيد، وهو من الظهر إلى العصر- كما تقدم- أو: فمكث الهدهد في غيبته غير بعيد، خوفاً من سليمان، فالضمير إما لسليمان، أو: للهدهد، وهو الظاهر، ويرجحه قراءة: (فتمكث) . وفي «مكث» لغتان: الضم والفتح.

ولما قدِمَ من غيبته، أحضر بين يديه، على الهيئة المتقدمة، ثم سأله عن غيبته، فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أي: أدركت علماً لم تُحط به أنت، أَلهم الله الهدهدَ فكافح «١» سليمانَ بهذا الكلام، مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمة، ابتلاء له عليه السلام في علمه، وتنبيهاً على أن في أدنى خلقه وأضعفهم من أحاطه الله علماً بما لم يُحط به لتتصاغر إليه نفسه، ويصغر فى عينه علمه، في جانب علم الله، رحمة به ولُطفاً في ترك الإعجاب، الذي هو فتنة العلماء.

ثم قال: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ- بالصرف- اسماً للحيّ، أو: للأب الأكبر، وبعدمه اسماً للقبيلة. بِنَبَإٍ يَقِينٍ، والنبأ: الخبر الذي له شأن. وقوله: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ من محاسن الكلام، ويسمى البديع. وقد حسن وبرع لفظاً ومعنىً، حيث فسر إبهامه بأبدع تفسير، وأراه أنه كان بصدد إقامة خدمة مهمة. وعبّر عما جاء به بالنبأ، الذي هو الخبر الخطير والشأن الكبير، ووصفه بما وصفه به. إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ هو استئناف لبيان ما جاء به من النبأ، وتفسير له إثر الإجمال. وهي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان. وكان أبوها ملك أرض اليمن كلها، ورث الملك من أربعين أباً. وقيل: كان أبوها- اسمه الهدهاد- ملكاً عظيم الشأن، ملك أرض اليمن كلها، وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه امرأة من الجن، يقال لها «ريحانة» فولدت له بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها.

قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم «كان أحد أبوي بلقيس جنياً» «٢» فمات أبوها، فاختلف قومه فرقتين، وملّكوا أمرهم رجلاً قائماً بسيرته، حتى فجَر بحرم رعيته، فأدركت بلقيس الغيرة، فعرضت عليه نفسها، فتزوجته، فسقته الخمر، فسكر، فجزت رأسه، ونصبته على باب دارها فملكوها «٣» .

وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تحتاج إليه الملوك، من العدة والآلة، وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ: كبير، قيل: كان ثلاثين ذراعاً في ثلاثين عرضاً، وقيل: كان ثمانين ذراعاً في ثمانين، وطوله في الهواء: ثمانون. وكان من ذهب وفضة، مرصعاً بأنواع الجواهر، وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر، ودرّ، وزبرجد، وعليه سبعة أبيات، فى كل بيت


(١) كافحه مكافحة وكفاحا: واجهه. انظر اللسان (مادة كفح ٥/ ٣٨٩٧)
(٢) أخرجه الطبري فى التفسير (١٩/ ١٦٩) وزاد السيوطي عزوه فى الدر (٥/ ١٩٨) لأبى الشيخ فى العظمة، وابن عساكر، وقال ابن كثير فى البداية والنهاية (٢٠/ ٢١) : هذا حيث غريب، وفى سنده ضعف.
(٣) ذكره البغوي فى تفسيره (٦/ ١٥٦) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>