للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً بهذه المواضع، وَمَكَرْنا مَكْراً أهلكناهم إهلاكاً غير معهود، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي: من حيث لا يحتسبون، فمكرهم: هو ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح عليه السلام وأهله.

ومكر الله: إهلاكهم من حيث لا يشعرون. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أي: فتفكر في أنه كيف كان عاقبة مكرهم. فسره بقوله: أَنَّا دَمَّرْناهُمْ: أهلكناهم بالصيحة وَقَوْمَهُمْ الذين لم يكونوا معهم في التبييت أَجْمَعِينَ. رُوي أنه كان لصالح مسجد في شِعْبٍ يُصلِّي فيه. فقالوا: زعم صالح يفرع منا إلى ثلاث، وقد رأى علامة ذلك، فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث، فخرجوا إلى الشعب، وقالوا: إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم، فبعث الله تعالى صخرة من الهَضب التي حِيالهم «١» ، فبادروا، فأطبقت الصخرة عليهم فم الشعب، فلم يدر قومهم أين هم، ولم يدروا ما فُعِل بقومهم، وعذَّب الله كلاً في مكانه ونجى صالحاً ومن معه.

وقال ابن عباس: أرسل الله الملائكة ليلاً، فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التسعة إلى دار صالح، شاهرين السيوف، فقتلتهم الملائكة بالحجارة يرون الحجارة، ولا يرون رامياً «٢» .. هـ. ويمكن الجمع بأن بعضهم مات تحت الصخرة، وبعضهم أتى إلى دار صالح فقتل.

قال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً ساقطة متهدمة، من: خوى النجم: إذا سقط. أو: خالية من السكان، بِما ظَلَمُوا بسبب ظلمهم. إِنَّ فِي ذلِكَ أي: فيما ذكر من التدمير العجيب لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قدرتنا، فيتعظون.

وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا أي: صالحاً ومَن معه من المؤمنين، وَكانُوا يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي، اتقاء مستمراً، ولذلك نجوا مع صالح. قال مقاتل: لما وقت لهم صالح العذاب إلى ثلاث، خرج أول يوم على أبدانهم مثل الحمّص أحمر، ثم اصفر من الغد، ثم اسود من اليوم الثالث. ثم تفقأت، وصاح جبريل في خلال ذلك، فخمدوا، وكانت القرية المؤمنة الناجية أربعة آلاف، خرج بهم صالح إلى حضرموت، فلما دخلها مات صالح، فسميت حضرموت. هـ. والله تعالى أعلم.

الإشارة: وكان في مدينة القلب تسعُ علل، يُفسدون فيها ولا يُصلحون، وهي حب الدنيا، وحب الرئاسة، والحسد. والكبر، والحقد، والعجب، والرياء، والمداهنة، والبخل، هم أفسدوا قلوب الناس، وتقاسموا على هلاكها، ومكروا بهم حتى زيَّنوا لهم سوءَ عملهم، ومكر الله بهم، فدفعهم ودمَّرهم عن قلوب الصالحين، فتلك بيوتهم خاوية منها، أخرجهم منها، بسبب ظلمهم لها.


(١) حياله: إزاءه.
(٢) انظر تفسير البغوي (٦/ ١٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>