للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصيرتكم وبصركم لأن نور البصيرة إذا استولى على البصر، بعد فتح البصيرة، غطى نوره، فلا يرى البصر إلا ما تراه البصيرة من أسرار الذات الأزلية القديمة. فمن بلغ هذا المقام كان خَلِيفَةَ اللهِ في أرضه، يُملكه الوجود بأسره، وما ذلك على الله بعزيز.

ثم ذكر نوعا آخر من دلائل توحيده، فقال:

[[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٣]]

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)

يقول الحق جلّ جلاله: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ليلاً، وبعلامات في الأرض نهاراً؟.

أو: أمّن يهديكم إلى سلوك الطريق التي تُوصلكم إلى مقصدكم، وأنتم في ظلمات الليل، سواء كنتم في البر أو البحر؟ فلا هادي إلى ذلك إلا الله تعالى. وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ، أو بالإفراد. نَشْراً «١» بالنون- أي: تنشر السحاب إلى الموضع الذي أمر الله بإنزال المطر فيه، أو بُشْراً- بالباء- أي: مبشرة بالمطر، بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قدَّام المطر، علامة عليه، أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يفعل ذلك؟ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للإشعار بعلِّية الحُكم، أي: تعالى الله وتنزّه بذاته المنفردة بالألوهية، المقتضية لكون كل المخلوقات مقهوراً تحت قدرته، عن وجود ما يشركونه به تعالى.

الإشارة: أمّن يهديكم إلى حل ما أشكل عليكم، وأظلمت منه قلوبكم، من علم بَر الشرائع. وبحر الحقائق، فيهديكم في الأول إلى كشف الحق والصواب، وفي الثاني إلى كشف الغطاء ورفع الحجاب، أو: في الأول إلى علم البيان، وفي الثاني إلى عين العيان بالذوق والوجدان. أو: في الأول إلى علم اليقين، وفي الثاني إلى عين اليقين وحق اليقين. ومَن يُرسل رياح الواردات الإلهية، بشارة بين يدي رحمته بالوصول إلى حضرته، وهو التوحيد الخاص. ولذلك ختمه بقوله: تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ من رؤية وجود السّوى.


(١) قرأ عاصم «الرياح» بالجمع و «بشرا» بالباء المضمومة مع إسكان الشين، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب، بالجمع، و «نشرا» بضم النون والشين. وقرأ ابن كثير بإفراد الريح، وضم النون والشين من «نشرا» . راجع الإتحاف (٢/ ٣٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>