للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليك، ويجوز أن يكون استثناء محمولاً على المعنى، كأنه قال: وما أُلْقِيَ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً من ربك، فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً معيناً لِلْكافِرِينَ على دينهم بمُداراتهم والتحمل عنهم، والإجابة إلى طلبتهم.

وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ أي: لا يمنعك هؤلاء عن العمل بآيات الله وتبليغها وإظهارها، بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ أي: بعد وقت إنزالها، وإِذْ: مضاف إليه أسماء الزمان، كقولك: حينئذٍ ويَومَئذٍ. وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إلى توحيده وعبادته، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، نهاه تنفيراً لغيره من الشرك.

وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، قال ابن عباس رضي الله عنه: الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والمراد به أَهْلُ دينه. قال البيضاوي: وهذا وما قبله تهييج، وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم، لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ: استئناف، مقرر لِمَا قبله، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي: ذاته، فالوجه يُعَبِّرُ به عن الذات، أي: كل شيء فانٍ مستهلك معدوم، إلا ذاته المقدسة، فإنها موجودة باقية. وقال أبو العالية: إلا ما أريد به وجه الله، مِنْ عِلْمٍ وعمل، فإنه لا يفنى. قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: يجاء بالدنيا يوم القيامة، فيقال: ميزوا ما كان لله تعالى منها، فيميز، ثم يؤمر بسائرها فيُلقى في النار. هـ. وقال الضحاك: كل شيء هالك إلا الله والجنة والنار والعرش.

لَهُ الْحُكْمُ القضاء النافذ في خلقه، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للجزاء والفصل. والله تعالى أعلم.

الإشارة: أهل الاشتياق يُرَوِّحُونَ أرواحهم بهذه الآية، فيقولون لها: إن الذي فرض عليك القرآن، أن تعمل به في الدنيا، لرادك إلى معاد جسماني روحاني، فتتصل نضرتك ونظرتك إلى وجه الحبيب، من غير عذول ولا رقيب، على سبيل الاتصال، من غير تكدر ولا انفصال، فإن وقع الإنكار على أهل الخصوصية فيقولون:

رَبِّي أَعْلَمُ الآية.. وما كنت ترجو أن تُلْقَى إليك الخصوصية إِلاَّ رَحْمَةً مِن رَّبِكَ، فلا تكونن ظهيراً للكافرين المنكرين لها، معيناً لهم على إذاية من انتسب إليها، ولا يصدنك عن معرفة آيات الله الدالة عليه، بعد إذ أُنزلت إليك، أي: لا يمنعك الناس عن صحبة أولياء الله، الدالين عليه، وادع إلى ربك، أي: إلى معرفة ذاته ووحدانيته، ولا تكونن من المشركين بشهود شيء من السِّوى، فإن كل شيء هالك، أي: معدم في الماضي والحال والاستقبال، إلا وجهه: إلا ذاته، فلا موجود معها، وفي ذلك يقول الشاعر:

الله قُلْ، وذَرِ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى ... إِنْ كُنْتَ مُرْتَاداً بُلُوغَ كَمَال

فَالْكُلُّ، دون اللهِ، إنْ حَققتَهُ، ... عَدم عَلَى التَّفْصِيل وَالإجْمَالِ

وَاعلَمْ بأنَّكَ، والعَوالِمَ كُلَّها، ... لَوْلاَهْ، فِي مَحْوٍ وَفِي اضْمِحْلاَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>