للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظرفية نعت لمودة، أي: حاصلة بينكم. ومن رفع: فله وجهان إما خبر أن، و (ما) موصولة، أو: عن مبتدأ محذوف، أي: هي مودة بينكم، و (بينكم) : مضاف إليه ما قبله.

يقول الحق جلّ جلاله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الله إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ، قاله بعضهم لبعض، أو: قاله واحد منهم، وكان الباقون راضين، فكانوا جميعا فى حكم القائلين. فاتفقوا على تحريقه، فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ حين قذفوه فيها بأن جعلها برداً وسلاماً. وتقدم في الأنبياء تمام القصة.

إِنَّ فِي ذلِكَ فيما فعلوه به وفعلناه لَآياتٍ دالةً على عظم قدرته لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأنهم المنتفعون بالفحص عنها والتأمل فيها. رُوي أنه لم ينتفع بها في تلك الأيام أحد لذهاب حرها لأن كل نار سمعت الخطاب فامتثلت.

وَقالَ إبراهيمُ لقومه: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً أصناماً آلهة مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي: لتوادوا بينكم في الحياة الدنيا، وتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها، واتفاقكم عليها، كما تنفق الناس على مذهب أو طريق، فيكون ذلك سبب تحابهم. أو: إنما اتخذتم الأوثان سبب المودة، أو اتخذتموها مودودة ومحبوبة بينكم، أو: إن التي اتخذتموها أوثاناً تعبدونها هي مودة بينكم في الدنيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ أي: تتبرأ الأصنام من عابديها كقوله: يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا «١» ، أو: ينكر بعضكم بعضا، ويقع بينكم التباغض كقوله: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ «٢» . وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، فتلعن الأتباعُ الرؤساء وَمَأْواكُمُ النَّارُ أي: مأوى العابد والمعبود والتابع والمتبوع. وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يحصنونكم منها.

الإشارة: الإنكار على أهل الخصوصية سُنَّة الله في خلقه، فلا يأنف منها إلا جاهل، والاجتماع على التودد على غير ذكر الله ومحبته وما يقرب إليه، كله يؤدي إلى التباغض والتلاعن يوم القيامة الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ، وهم المتحابون في الله، المجتمعون على ذكر الله والعلم به. والله تعالى أعلم.

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)


(١) من الآية ٨٢ من سورة مريم.
(٢) الآية ٦٧ من سورة الزخرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>