للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفظ مشترك بين النذر والموت. وصحح ابنُ عطية أن النحب الذي في الآية ليس من شرطه الموت. بل معناه:

قَضَى نذره الذي عاهد الله عليه من نصرة الدين، سواء قُتل أو بقي حيّا. بدليل قوله- عليه الصلاة والسلام- في طلحة: «هذا ممن قَضَى نَحْبَه» «١» هـ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أي: الموت على الشهادة كعثمان وطلحة، وَما بَدَّلُوا العهد تَبْدِيلًا ولا غيَّروه، لا المسْتَشْهَد، ولا مَن ينتظر الشهادة. وفيه تعريض بمَن بدّل من أهل النفاق، كقوله تعالى فيما مر: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ... «٢» . لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ بوفائهم بالعهد، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ إذا لم يتوبوا، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إن تابوا إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً بقبول التوبة، رَحِيماً بعفو الحوبة.

الإشارة: قد تقدّم ما يتعلق بالاقتداء بالرسول- عليه الصلاة والسلام- والاهتداء بهديه، وأنه منهاج الأكابر.

وقوله تعالى: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ ... الآية. كذلك الأقوياء من هذه الطائفة، إذا رأوا ما يهولهم ويروعهم زادهم ذلك إيماناً وتسليماً، ويقيناً وطمأنينة، وتحققوا بصحة الطريق إذ هو منهاج السائرين والأولياء الصادقين، وسنة الأنبياء والمرسَلين. قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ «٣» الآية. وتقدم فى إشاراتها ما يتعلق بهذا المعنى.

قال بعضهم: نحن كالنجوم، كلما اشتدت الظلمة قَوِيَ نُورُنَا. وقال القشيري: كما أن المنافقين اضطربت عقائدهمُ عند رؤية الأعداء، فالمؤمنون وأهل اليقين زادوا ثِقَةٌ، وعلى الأعداء جرأةً، ولحكم الله استسلاماً، وفي الله قوة. ثم قال: قوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا.... الآية، شَكَرَ صنيعَهم في المِرَاسَ، ومدح يقينهم عند شهود الناس، وسمّاهم رجالاً إثباتاً لهم بالخصوصية في الرتبة، وتمييزاً لهم من بين أشكالهم بعلوِّ الحالة، فمنهم مَنْ خرج من دنياه على صِدْقه، ومنهم مَنْ ينتظر حكم الله في الحياة والممات، وحقيقة الصدق: حفْظُ العهد وترك مجاوزة الحدَّ. ويقال: استواءُ السِّرِّ والجهر. ويقال: هو الثبات عند ما يكون الأمر جدّا.


(١) أخرجه الترمذي فى (المناقب، مناقب طلحة بن عبيد الله ٥/ ٦٠٢، ح ٣٧٤٠) وابن ماجة فى (المقدمة: باب فى فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ١/ ٤٦، ح ١٢٦) . من حديث معاوية رضي الله عنه.
(٢) الآية ١٥ من سورة الأحزاب.
(٣) الآية الثانية من سورة العنكبوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>