للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقسم الثاني: قوم زَيَّنوا بواطنهم وخربوا ظواهرهم، عمّروا قلوبهم بمحبة الله، وبذلوا أنفسهم في مرضات الله، قلوبهم في أعلى عليين، وأشباحهم في أسفل سافلين، فأولئك المقربون مع النبيين والمرسلين. قال بعض العارفين:

كلما وضعت نفسك أرضاً أرضاً، سما قلبك سماء سماء، وكل ما نقص من حسك زاد في معناك. وفي الحديث:

«مَن تواضعَ دُون قَدْره رَفَعهُ الله فوقَ قَدْره» . وبالله التوفيق.

ثم دعا الحق، تعالى عباده، إلى التوغل فى الإسلام، فقال:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٠٨ الى ٢٠٩]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩)

قلت: (السلم) ، بالفتح والكسر: هو الاستسلام والانقياد، ويبعد هنا تفسيره بالصُّلْح. و (كافة) : حال من الواو والسلم معاً، كقوله تعالى: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ادْخُلُوا فِي شرائع الإسلام كَافَّةً بحيث لا تهملوا شيئاً منها، ولا تلتفتوا إلى غيرها. نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، حيث دخلوا فى الإسلام، وأرادوا أن يُعظّموا السبت، وتحرجوا من لحوم الإبل. أو في المنافقين حيث أسلموا في الظاهر، ونافقوا في الباطن، فقال لهم الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في الظاهر، ادخلوا في الإسلام كَافَّةً ظاهراً وباطناً. أو في المسلمين يأمرهم بالتمسك بشرائع الإسلام كلها، والبحث عن أحكامها وأسرارها، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي: طُرُقَه الدالة على التفريق والتفرق إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أي: بيّن العداوة.

فَإِنْ زَلَلْتُمْ عن طريق الجادَّة ففرقتم بين أجزاء الشريعة، أو التفتُّم إلى غير شريعتكم، مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الآيات الْبَيِّناتُ الدالة على صحة الدين ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلم، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي: غالب لا يُعجزه عقابكم، حَكِيمٌ في إمهاله إلى وقت معلوم.

الإشارة: أمر الحق جل جلاله جميع عباده بالصلح معه والاستسلام لأحكامه، بحيث لا يَصْدُر منهم نِزَاعٌ لأحكامه، ولا اعتراض على أفعاله، بل يَنظرون ما يبرز من عنصر القدرة، فيتلقونه بالرضى والتسليم، أو الصبر والتصبر، سواء ظهرت هذه الأفعال على أيدي الوسائط أو بلا وسائط، إذ لا فاعل سواه، وكلٍّ من عند الله، فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>