للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنَّ يُونُسَ

بن متى، اسم أبيه، لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

إلى أهل نَيْنَوى، فكذَّبوه، فوعدهم بالعذاب، فلما رأى أمارات العذاب هرب عنهم، وهي معنى قوله: إِذْ أَبَقَ

هرب. والإباق: الهرب إلى حيث لا يهتدي إليه الطلب، فسمي هربه من قومه- بغير إذن ربه- إباقاً، مجازاً. رُوي أنه لمَّا فرَّ عنهم، وقف في مكان ينتظر نزول العذاب بهم، وكان يُحب ذلك لتكذيبهم إياه، فلما رأوا مخايل العذاب تابوا وخرجوا إلى الصحراء، يجأرون إلى الله تعالى، فكشف عنهم، فلما رأى يونس العذابَ انكشف عنهم، كره أن يرجع إليهم، فركب البحر، فأوى إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

: المملوء بالناس والمتاع، فلما ركب معهم وقفت السفينة، فقالوا:

هاهنا عبد آبق من سيده. وفيما يزعم أهل البحر: أن السفينة إذا كان فيها آبق لم تجرِ، فاقترعوا، فخرجت القرعةُ على يونس، فقال: أنا الآبق، وزجّ بنفسه في البحر، فذلك قوله: فَساهَمَ

: فقارعهم مرة- أو ثلاثاً- بالسهام، فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

المغلوبين بالقرعة. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فابتلعه وَهُوَ مُلِيمٌ داخلٌ في الملامة، أو: آتٍ بما يُلام عليه، ولم يُلَم فإذا ليم كان مألوماً.

فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ من الذاكرين كثيراً بالتسبيح، أو: من القائلين: لآَّ إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «١» أو: من المصلين قبل ذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة. قال الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت، ولكنه قدّم عملاً صالحاً فنجَّاه، وإنَّ العمل الصالح يرفع صاحبه، إذا عَثَرَ وجد متكئاً. هـ «٢» . أي: فلولا طاعته قبل ذلك لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قيل: للبث حيًّا إلى يوم البعث.

وعن قتادة: لكان بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة. وقد لبث في بطنه ثلاثة أيام، أو: سبعة أو: أربعين يوماً.

وعن الشعبي: التقمه ضحوة، ولَفَظَه عشية. قيل: أوحى الله تعالى إل الحوت: إني جعلت بطنك ليونس سجناً- وفي رواية: مسجداً- ولم أجعله لك طعاماً «٣» . هـ.

فَنَبَذْناهُ أي: أخرجناه بِالْعَراءِ بالمكان الخالي، لا شجر فيه ولا نبات. أو: بالفضاء، وَهُوَ سَقِيمٌ عليل مطبوخ، مما ناله من بطن الحوت. قيل: إنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يُولد. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً أي: أنبتناها فوقه، مظلة له، كما يطنَّب البيتُ على الإنسان، مِنْ يَقْطِينٍ، الجمهور على أنه القرع،


(١) الآية ٨٧ من سورة الأنبياء.
(٢) انظر: تفسير البغوي (٧/ ٦٠) .
(٣) قال الحافظ ابن حجر: «لم أجده» . وذكره الزيلعى فى تخريج أحاديث الكشاف (٥٣٥) وعزاه لابن مردويه، عن ابن مسعود، فى قصة يونس. وانظر الفتح السماوي (٣/ ٩٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>