للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أي: ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يُصيبوا بها من شاءوا، ويصرفوها عمن شاءوا، ويختاروا للنبوة بعض صناديدهم، ويترفَّعوا بها عن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يملك الرحمة وخزائنها العزيزُ القاهر على خلقه، الوهّاب الكثير المواهب، المصيب بها مَن يشاء. والمعنى: أن النبوة عطية من الله تعالى، يتفضّل بها على من يشاء من عباده المصطفين، لا مانع له، فإنه الغالب، الذي له أن يهب كل ما يشاء لكل مَن يشاء.

وفي إضافة اسم الرّب المنبئ عن التربية والتبليغ إلى الكمال إلى ضميرة- عليه الصلاة والسّلام- من تشريفه واللطف به ما لا يخفى.

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أي: بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا في الأمور الربانية، ويتحكّموا في التدابير الإلهية، التي اختصّ بها رب العزّة والكبرياء؟ ثم تهكّم بهم غاية التهكُّم فقال: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ، وهو جواب عن شرط مقدر، أي: إن كان لهم ما ذكر من الملك، ويملكون التصرُّف في قسمة الرحمة، فليصعَدوا في المعارج والطُرق التي يتوصّل بها إلى السماء، حتى يُدبروا أمر العالم وملكوت الله، فيُنزلون الوحي إلى مَن يختارون ويستصوبون. والسبب، في الأصل: ما يتوصل به إلى المطلوب.

ثم وعد نبيه- عليه الصلاة والسّلام- بالنصر عليهم بقوله: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ أي: هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل مَهْزُومٌ مكسور عما قريب، فلا تُبالِ بما يقولون، ولا تكترث بما يَهْذُون. و «جُند» : خبر، أو: مبتدأ، و «مهزوم» : خبره و «مَّا» : صلة مقوّية للنكرة. أو: للتقليل والتحقير.

و «من الأحزاب» : متعلق بجند، أو: بمهزوم، و «هنالك» : إشارة إلى بدر ومصارعهم، أو: إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمَن ينتدب لأمر وليس من أهله: لست هنالك.

الإشارة: يُقال في جانب أهل الغفلة: بل في شك من حلاوة ذكري ومعرفتي، حيث لم يذوقوا. قال إبراهيم ابن أدهم رضي الله عنه: (خرج الناس من الدنيا ولم يذوقوا شيئاً، قيل: ومافاتهم؟ قال: حلاوة المعرفة) . بل لَمَّا يذوقوا عذابي، هو وبال القطيعة والبُعد، والانحطاط عن درجات المقرَّبين، وسيذوقونه إذا تحققت الحقائق، حيث لا ينفعُ مالٌ ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلب سليم. ويقال في جانب من حسد أهل الخصوصية: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ... الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>