للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه- تعالى عن ذلك، وهو الله الواحد القهّار، فكيف يريد ويمتنع ما يريده؟! وهل ذلك إلا عين القهر؟ تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. هـ.

قال تعالى: سُبْحانَهُ أي: تنزّه بالذات عن اتخاذ الولد، تنزهه الخاص به، على أن" سبحان" مصدر، من: سبّح: إذا بعّد. هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ: استئناف مبينٌ لتنزهه بحسب الصفات، إثر بيان تنزُّهه عنه بحسب الذات، فإن صفة الألوهية المستتبعة لسائر صفات الكمال، النافية لسمات النقصان، والوحدة الذاتية، الموجبة لامتناع المماثلة والمشاركة بينه تعالى وبين غيره على الإطلاق، مما يقتضي تنزهه تعالى عما قالوه، قضاء متيقناً، وكذا وصف [القهارية] «١» لأن اتخاذ الولد شأنُ مَن يكون تحت ملكوت الغير، عرضة للفناء، ليقوم الولد مقامه عند فنائه، ومَن هو مستحيل الفناء، قهّار لكل الكائنات، كيف يتصور أن يتخذ من الأسماء الفانية مَن يقوم مقامه؟ قاله أبو السعود.

الإشارة: الحق سبحانه غيور، لا يرضى لغيره أنْ يَعْبُدَ معه غيره، كان على وجه الواسطة والتقريب، أو:

على وجه الاستقلال. لذلك حَرُم السجود لغير الله، وأما الخضوع للأولياء، العارفين بالله، على غير وجه العبادة، فهو عين الخضوع لله لأن الله تعالى أمر بالخضوع للرسل، الدالين على الله، وهم ورثتهم في الدلالة، لكن لا يكون ذلك على هيئة السجود، وإنما يكون على وجه تقبيل القدم أو الأرض بين أيديهم، كما قال الشاعر:

يا مَن يَلُوم خمرة المحبه ... فخذوا عَنِّي هَيَ حَلالْ

ومَن يرد يسقي منها عبهْ ... خَدّ يضَع لأقدام الرَجالْ

رأسِي حطَطت بكُلِّ شَيبه ... هُم المَوالِي سَقَونِي زلالْ

وجعل القشيري مناطَ الرد على الكفرة حيث فعلوا ذلك، وقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونآ إلى الله، بغير إذن الله، وإنما حكموا بذلك من ذات أنفسهم. فردَّ الله عليهم. قال: وفي هذا إشارة إلى ما يفعله العبد من القُرَبِ، بنشاط نَفْسِه، من غير أن يقتضيه حُكْمُ الوقت، وما يعقد بينه وبين الله تعالى من عقودٍ لا يفي بها، وكان ذلك اتباعُ هوىً.

قال الله تعالى: فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها «٢» . قلت: ولأجل هذا وجب على مَن أراد الوصول إلى الله أن يتخذ شيخاً عارفاً بأحكام الوقت، ذا بصيرة بدسائس النفس، فيأمره في كل وقت، وفي كل زمان، بما يناسبه ليُخرجه من هوى نفسه، وأسر طبعه، وإلا بقي في العنت والبُعد عن الله، يعبد الله على حرف، كلما زاد عبادة وقربا- فى


(١) فى الأصول: القاهرية.
(٢) من الآية ٢٧ من سور الحديد

<<  <  ج: ص:  >  >>