للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أي: أفرطوا في الجناية عليها، بالإسراف في المعاصي، والغلو فيها، لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ: لا تيأسوا من مغفرته أولاً، وتفضُّله بالرحمة ثانياً، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، بالعفو عنها، إلا الشرك. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: «يغفر الذنوب جميعاً ولا يُبالي» «١» لكنها لم تتواتر عنه.

والمغفرة تصدق بعد التعذيب وقبله، وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، كيف، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «٢» ظاهر في الإطلاق مما عدا الشرك؟ وَلِمَا يدل عليه التعليل بقوله:

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ على المبالغة، وإفادة الحصر، والوعد بالرحمة بعد المغفرة. وما في عِبادِيَ من الدلالة على الذلة والاختصاص، المقتضييْن للترحُّم. إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ يستر عظام الذنوب الرَّحِيمُ يكشف فظائع الكروب. والآية، وإن نزلت في «وحشي» ، قاتل «حمزة» ، أو في غيره، لا تقتضي التخصيص بهم، فإن أسباب النزول لا تخصص. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أَنَّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية» «٣» .

ولما نزلت في شأن وحشي، وأسلم، قال المسلمون: هذه له خاصَّةً، أو للمسلمين عامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل هي للمسلمين عامة» «٤» . وقال قتادة: إن ناساً أصابوا ذنوباً عظاماً، فلما جاء الإسلام أشفقوا ألا يتاب عليهم، فدعاهم الله تعالى بهذه الآية «٥» . وقال ابن عمر: نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد،


(١) أخرجها الترمذي فى (التفسير- باب ومن سورة الزمر، ح ٣٢٣٧) والبغوي فى شرح السنة (١٤/ ٣٨٤) وفى التفسير (٧/ ١٢٦) من حديث أسماء بنت يزيد، قال الترمذي: حديث حسن غريب.
(٢) الآية ٤٨، ١١٦ من سورة النّساء.
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٢٧٥) وابن جرير (٢٤/ ١٦) والبيهقي فى شعب الإيمان (باب ٤٧ ح ٧١٣٧) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
(٤) عزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٦٢٠) للطبرانى، وابن مردويه، والبيهقي فى الشعب، بسند لين. عن ابن عباس رضي الله عنه.
(٥) أخرج البخاري فى (التفسير- تفسير سورة الزمر- باب يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ح ٤٨١٠) عن سعيد جبير، عن ابن عباس: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن الذي تدعو إليه لَحَسنٌ لو تخبرنا أنَّ لما عملنا كفارة. فنزلت هذه الآية. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>