للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ أي: جنسه، أو: الكافر، بدليل قوله: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً «١» ، أي: لا يملّ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ من طلب السعة في المال والنعمة، ولا يملّ عن إرادة النفع والسلامة، والتقدير: من دعائه الخير، فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول، وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ الفقر والضيق، فَيَؤُسٌ من الخير قَنُوطٌ من الرحمة، أي: لا يرجو زواله لعدم علمه بربه، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى ربه، بُولغ فيه من طريقين: من طريق بناء فَعول، ومن طريق التكرير لأن اليأس هو القنط، والقنوط: أن يظهر أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، ويظهرَ الجزع، وهذا صفة الكافر لقوله: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «٢» . وقال الإمام الفخر: اليأس على أمر الدنيا من صفة القلب، والقنوط: إظهار آثاره على الظاهر. هـ.

وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي أي: وإذا فرجنا عنه بصحّة بعد مرض، أو: سعة بعد ضيق، قال: هذا لِي أي: هذا قد وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير، وفضل، وأعمال برّ، أو: هذا لي لا يزول عني أبداً، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي: ما أظنها تقوم فيما سيأتي، وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي كما يقول المسلمون، إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى أي: الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة، أو: الجنة. قاس أمر الآخرة على أمر الدنيا لأن ما أصابه من نِعَمِ الدنيا، زعم أنه لاستحقاقه إياها، وأن نِعَم الآخرة كذلك. وهذا غرور وحمق، الرجاء ما قارنه عمل، وإلا فهو أُمنية، «الجاهل مَن أتْبَعَ نَفْسه هواها، وتمنى على الله، والكيِّسُ مَن دانَ نَفْسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت» «٣» .

فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا أي: فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ شديد، لا يفتر عنهم.

وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمته أبطرته النعمة، وأعجب بنفسه، فنسي المنعِّم، وأعرض عن شكره، وَنَأى بِجانِبِهِ وتباعد عن ذكر الله ودعائه


(١) من الآية ٣٦ من سورة الكهف.
(٢) من الآية ٨٧ من سورة يوسف.
(٣) هذا حديث نبوى شريف. أخرجه ابن ماجه فى (الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، ٢/ ١٤٢٣، ح ٤٢٦٠) والترمذي فى (صفة القيامة، باب ٢٥، ٤/ ٥٥٠ ح ٢٤٥٩) والحاكم (٤/ ٢٥١) عن شداد بن أوس رضي الله عنه. بلفظ: «الكِّيسُ من دانَ نَفْسَه وعَمِلَ لِما بعدَ الموت، والعاجز مَن أتْبَعَ نفسَه هواها، وتمنى على الله، قال الترمذي: حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>