للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك من المحو والإثبات.

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ. يقال: قبلت الشيء منه: إذا أخذته منه، وجعلته مبدأ قبولك، وقبلتَه عنه، أي: عزلته وأبنته عنه. والتوبة: الرجوع عن القبيح بالندم، والعزم ألا يعود، ورد المظالم واجب غير شرط.

قال ابن عباس: لما نزل. قُلْ لآَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.... الآية. قال قوم في نفوسهم: ما يريد إلا أن يحثنا على أقاربه من بعده، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد اتهموه، وأنزل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً.. الآية، فقال القوم يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق. فنزل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ.... هـ.

قال أبو هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد، ومن العقيم الوالد، ومن الظمآن الوارد، فمَن تاب إلى الله توبة نصوحا أنسى الله حافظيه، ولو كانت بقاعُ الأرض خطاياه وذنوبه» «١» .

واختلف العلماء في حقيقة التوبة وشرائطها، فقال جابر بن عبد الله: دخل أعرابي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إني أستعيذك وأتوب إليك، سريعاً، وكبّر، فلما فرغ من صلاته، قال له عليّ: ما هذا؟ إن سرعة الاستغفار باللسان توبة الكذابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة، فقال: يا أمير المؤمنين، وما التوبة؟ قال: أسم يقع على ستة معانٍ: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، ورد المظالم، وإذابة النفس في الطاعة، كما أذبتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة، كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.

وعن السدي: هي صدقُ العزيمة على ترك الذنوب، والإنابة بالقلب إلى علاّم الغيوب. وعن سهل: هي الانتقالُ من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة. وعن الجنيد: هي الإعراض عما سوى الله.

قال الله تعالى: وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وهو ما دون الشرك، يعفو لمَن يشاء بلا توبة، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ كائناً ما كان، من خير أو شر، حسبما تقتضيه مشيئته.

وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي: يستجيب لهم فحذف اللام كما في قوله: وَإِذا كالُوهُمْ»

أي: يجيب دعوتهم، ويثيبهم على طاعتهم، أو: يستجيبون له بالطاعة إذا دعاهم إليها. قيل لإبراهيم


(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وفى الصحيح: «الله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكانى، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده، أخرجه البخاري فى (الدعوات، باب التوبة، ح ٦٣٠٨) ومسلم فى (التوبة، باب فى الحض على التوبة، ح ٢٧٤٤) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. [.....]
(٢) من الآية ٣ من سورة المطففين.

<<  <  ج: ص:  >  >>