للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخيه، وطلبه للخلافة، وانتصاره من بني أمية. وقوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ إشارة إلى بني أمية، فإنهم استطالوا على الناس، كما في الحديث: «إنهم جعلوا عباد الله خُوَلاً، ومال الله دُولاً، فيكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون عليّ بن أبي طالب على منابرهم. وقوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما نالهم من الضر والذل، طول مدة بني أمية. «١» هـ.

الإشارة: قوله تعالى: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: وينقصُ من درجاتكم في الآخرة بقدر ما تمتعتم به، كما في الخبر، ولذلك زهَّد فيه بقوله: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى.. الآية، أي: وما عند الله من الثواب الموعود خير من هذا القليل الموجود. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ هي أمراض القلوب، كالحسد والكبر والرياء وغيرها، وَالْفَواحِشَ هي معاصي الجوارح كالزنا وغيره. وقوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ لم يقل الحق تعالى: والذين لم يغضبوا لأن الغضب وصف بشري، لا ينفك عنه مخلوق، فالمطلوب المجاهدة في دفعه، وردّ ما ينشأ عنه، لا زواله من أصله، فعدم وجوده في البشر أصلاً نقص، ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه: «مَن اسْتُغضِب ولم يغضب فهو حمار» فالشرف هو كظمه بعد ظهوره، لا زواله بالكلية.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ قال القشيري: المستجيبُ لربه هو الذي لا يبقى له نَفَسٌ إلا على موافقة رضاه، ولا يبقى لهم منه بقية، وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ أي: لا يستبدُّ [أحدهم] «٢» برأي، ويتَّهِمُ رأيَه وأمرَه، ثم إذا أراد القطعَ توكل على الله. هـ.

وحاصل ما اشتملت عليه الآية في رد الغضب: أربع مقامات الأول: قوم من شأنهم الغفران مطلقاً، قدروا أو عجزوا، لا يتحركون في الانتصار قط، وهو قوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ والثاني: قوم قادرون على إنفاذ الغضب، فتحركوا في الانتصار، ثم عفوا بعد الاقتدار، وهذا قوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ، ثم قال: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. والثالث: قوم قدروا وانتصروا، وأخذوا حقهم، لكن وقفوا عند ما حدّ لهم، وهو قوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ.. الآية. والرابع: قوم ظُلِموا، فعفوا، وزادوا الإحسان إلى مَن أساء إليهم، والدعاء له بالمغفرة، حتى يصير مرحوماً بهم، وهي رتبة الصدّيقية، أن ينتفع بهم أعداؤهم، وهو قوله تعالى:

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، ولذلك جعل الله هذا القسم من عزم الأمور.


(١) على هامش النّسخة الأم مايلى: قلت: هذا التفسير الذي نقله عن ابن جزى باطل، يجل كلام الله تعالى عنه، والأحاديث التي ذكرها كلها موضوعة، ما عدا: «لو وُزن إيمان أبي بكر..» وما عدا حديث: أنا مدينة العلم، وعلىّ بابها.
(٢) ما بين المعقوفتين مستدرك من لطائف الإشارات.

<<  <  ج: ص:  >  >>