للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية: «إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها، وبَواطِنُها من ظَواهرها، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله، والمُتَزَاورِينَ فيه، والمُتباذِلين فيه» «١» وفي لفظ آخر: «إنَّ في الجنَّة لعُمُداً من ياقوتٍ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي، قلنا: يا رَسُولَ الله، مَن يَسْكُنُها؟ قال: المتحابَّون في الله والمتباذِلُون في الله، والمتلاقون في الله، مكتوب على وجوههم: هؤلاء المتحابون في الله» «٢» وفي الأثر أيضاً: إذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، نَادَىَ مناد: أين المتحابون في الله؟ فيقوم ناس- وهم يسير- فينطلقون إلى الجنة سِراعاً، فتتلقاهم الملائكة: فيقولون: رأيناكم سِراعاً إلى الجنة، فمَن أنتم؟ فيقولون: نحن المتَحَابُّون في الله فيقولون: وما كان تحابُّكُم؟ فيقولون: كنَّا نتحاب في الله ونتزاورُ في الله، ونتعاطف في الله، ونتباذل في الله، فيُقال لهم: ادخلوا الجنة، فنعم أَجْرُ العاملين. هـ. من البدور السافرة. والتباذل: المواساة بالبذل.

وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله، فقال رضي الله عنه: اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين، كعقد النكاح بين الزوجين، ثم قال: فَلأخيك عليك حق في المال، وفي النفس، وفي اللسان، وفي القلب. وبالعفو، وبالدعاء، وذلك تجمعه ثمانية حقوق:

الحق الأول: في المال بالمواساة، وذلك على ثلاثة مراتب أدناها: أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك، فتقوم بحاجاته بفضله مالك، فإذا سنحت له حاجة، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية: أن تنزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته إياك في مالك، فتسمح له في مشاركته. الثالثة- وهي العليا-: أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهي رتبة الصدّيقين، ومنتهى درجات المتحابين.

الحق الثاني: الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات، والقيام بها قبل السؤال، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة، فأدناها: القيام بالحاجة عند السؤال، ولكن مع البشاشة والاستبشار، وإظهار الفرح. وأوسطها: أن تجعل حاجته كحاجتك، فتكون متفقداً لحاجته، غير غافل عن أحواله، كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال.

وأعلاها: أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وتؤثره على نفسك، وأقاربك، وأولادك. كان الحسن يقول: إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة.


(١) رواه الطبراني فى الأوسط (ح ٢٩٠٣) ، عن بريدة. قال الهيثمي فى المجمع (١٠/ ٢٧٨) : «وفيه إسماعيل بن سيف، وهو ضعيف» .
(٢) رواه البزار (كشف الأستار، ح ٣٥٩٢) عن أبى هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>