للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ على زعمكم فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ لله، كان أو لم يكن، ويسمى هذا إرخاء العنان، أي: أنا أول مَن يخضع لله، كان له ولد أو لم يكن، وقد قام البرهان على نفيه. قال معناه السدي، أو: وإن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أول مَن يعظم ذلك الولد، وأسبقكم إلى طاعته، والانقياد إليه، كما يعظم ولد الملِك، لتعظيم أبيه وهذا الكلام وارد على سبيل الفرض، والمراد: نفي الولد، وذلك أنه علَّق العبادة بكينونة الولد، وهي محال فى نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها، ونظيره، قول سعيد بن جبير للحجاج، - حين قال له: والله لأبدلنّك بالدنيا نار تلظى-: لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك. أو: إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ في زعمكم فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أي: الموحِّدين لله، المكذِّبين قولكم، بإضافة الولد إليه لأن مَن عَبَدَ الله، واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد. أو: إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فأنا أول العابدين، أي: الجاحدين والآنفين من أن يكون له ولد، مِن عبَدِ: بكسر الباء: إذا اشتد أنفه فهو عبَد وعابد، ومنه قول الشاعر:

متى ما يشا ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خَليلَهُ ... ويَعْبَدْ عليه لا محالةَ ظالما «١»

وقول الحريري:

قال ما يجب على عابد الحقّ ... قال يحلف بالإله الخلق «٢» .

أي: على جاحد الحق. وقيل: هي «إنْ» النافية، أي: ما كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أول من عبد الله ووحَّده، فيوقف على «ولد» على هذا التأويل.

رُوي: أن النضر قال: إن الملائكة بنات الله، فنزلت الآية، فقال النضر: ألا ترون أنه صدّقني فقال الوليد: ما صدّقك، ولكن قال: ما كان للرحمن ولداً، فأنا أوّل الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له «٣» . وسيأتي في الإشارة قول آخر.

قال القشيري: وفي الآية وأمثالها دليل على جواز حكاية قول المبتدعة فيما أخطأوا فيه في الاعتقاد، على وجه الردّ عليهم. هـ. قلت: ولا تجوز مطالعة أقوالهم إلا لمَن رسختْ قدمه في المعرفة، والإعراض عنها أسلم.

ثم نزَّه ذاته عن اتخاذ الولد، فقال: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أي: تنزّه رب هذه العوالم العظام عن اتخاذ الولد لأن اتخاذ الولد من صفة الأجسام، ولو كان جسماً ما قدر على خلو هذه


(١) البيت للمرقش الأصغر. انظر المفضليات (٥٠٢) وروح المعاني للألوسى (٢٥/ ١٠٥) .
(٢) هكذا فى الأصول، وأظنه [الحق] ، ولم أقف على البيت فى غير هذا المكان.
(٣) ذكره النّسفى (٣/ ٢٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>