للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قيل: هم ناس من قريش، وقيل: من الأنصار، وقيل: مَن آمن مِن أهل الكتاب، والمختار أنه عام، وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، وخُصّ بالذكر من بين ما يجب الإيمان به تنويهاً بشأنه، وتنبيهاً على سُمو مكانه من بين ما يجب الإيمان به، وأنه الأصل في الكل ولذلك أكّده بقوله: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي: القرآن، لكونه ناسخاً لغيره من الكتب، وقيل: دين محمد- صلى الله عليه وسلم إذ لا يرد عليه النسخ، وهو ناسخ لسائر الأديان، كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي: ستر بالإيمان والعمل الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها بالتوبة وَأَصْلَحَ بالَهُمْ أي: حالهم وشانهم، بالتوفيق لأمور الدين، وبالتسليط على الدنيا، بما أعطاهم الله من النصرة والعزة والتمكين في البلاد.

ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ أي: ذلك الأمر، وهو إضلال أعمال أهل الكفر، وتكفير سيئات أهل الإيمان، وإصلاح شأنهم كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطلَ وهو الشيطان، حيث فعلوا ما فعلوا من الكفر والصد، واتباع هؤلاء الحق، وهو القرآن، أو ما جاء به صلّى الله عليه وسلم، أو يراد بالباطل: الزائل الذاهب من الدّين الفاسد، وبالحق: الدين الثابت، أو يراد بالباطل: نفس الكفر والصد، وبالحق: نفس الإيمان والأعمال الصالحة.

كَذلِكَ أي: مثل الضرب البديع يَضْرِبُ اللَّهُ أي: يُبين لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ أي: أحوال الفريقين، وأوصافهما، الجارية في الغرابة مجرى الأمثال، وهو اتباع الأولين الباطلَ، وخيبتهم وخسرانهم، واتباع الآخرين الحقَّ، وفوزهم وفلاحهم، والضمير راجع إلى الناس، أو إلى المذكورين من الفريقين، على معنى: أنه يضربُ أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم، وقد جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكافرين، واتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين، أو جعل الإضلال مثلاً لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلاً لفوز الأبرار.

الإشارة: الذين كفروا بوجود الخصوصية، وصدُّوا الناسَ عنها أبطل سيرهم إليه، فكلما ساروا رجعوا، والذين آمنوا الإيمان الكامل واتبعوا السنّة النبوية، ستر مساوئهم، وأصلح شأنهم، حتى صلحوا لحضرته. قال القشيري:

الذين كفروا: امتنعوا، وصدُّوا: مَنَعوا «١» ، فلا متناعهم عن الله استوجبوا العقوبة، ولمنعهم الخلق عن الله استوجبوا الحَجْبَةَ. ثم قال في قوله: وَأَصْلَحَ بالَهُمْ: فالكفر للأعمال مُحْبطٌ، والإيمان للخلود مُسْقِط، ويقال: الذين اشتغلوا بطاعة الله، ولم يعملوا شيئاً مما خالف اللهَ- فلا محالة- يقوم الله بكفاية أشغالهم. هـ.


(١) فى القشيري: وصدوا فمنعوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>