للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٥ الى ٢٨]

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨)

يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ أي: رجعوا إلى الكفر، وهم المنافقون، الذين وُصفوا قبلُ بمرض القلوب، وغيره، من قبائح الأفعال والأحوال، فإنهم كفروا به صلّى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى بالدلائل الظاهرة، والمعجزات القاهرة. وقيل: اليهود، وقيل: أهل الكتابيْن جميعاً، كفروا به صلى الله عليه وسلم بعد ما وجدوا نعته في كتابهم، وعرفوا أنه المنعوت بذلك، وقوله تعالى: الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ، الجملة: خبر «إن» أي:

الشيطان زيَّن لهم ذلك، أو: سهَّل لهم ركوب العظائم، من: السّول، وهو الاسترخاء، أي: أَرْخى العنانَ لهم، حتى جرَّهم إلى مراده، وَأَمْلى لَهُمْ ومدَّ لهم في الآمال والأماني، وقرأ البصري: «وأُمْليَ» بالبناء للمفعول، أي:

أملهوا ومُدَّ في عُمرهم.

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ الإشارة إلى ما ذكر من ارتدادِهم، لا إلى الإملاء، ولا إلى التسويل- كما قيل- إذ ليس شيئاً منهما سبباً في القول الآتي أي: ذلك الارتداد بسبب أنهم- أي المنافقون- قالوا لليهود الذين كرهوا مَا نَزَّلَ الله مِن القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما عَلِموا أنه من عند الله حسداً وطمعاً في نزوله عليهم: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ أي: عداوة محمد [والقعود عن] «١» نصْرِ دينه، أو: في نصرهم والدفع عنهم إن نزل بهم شيء، من قِبَلهِ عليه السلام، وهو الذي حكاه عنهم بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ ... الآية «٢» وهم بنو قريظة والنضير، الذين كانوا يُوالونهم ويُوادونهم، وإنما كانوا يقولون لهم ذلك سرّاً، كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ «٣» أي: جميع أسرارهم التي من جملتها: قولهم هذا، وقرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدر، أي: إخفاءَهم لما يقولون لليهود.

فَكَيْفَ تكون حيلتهم وما يصنعون إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ حال كونهم يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، وهو تصوير لحال توفيهم على أَهْولَ الوجوه وأفظعها. وعن ابن عباس رضي الله عنه: «لا يتوفى أحدٌ على


(١) ما بين المعقوفتين ليس فى الأصول، وأثبته لاقتضاء السياق له.
(٢) الآية ١١ من سورة الحشر. [.....]
(٣) قرأ حفص وحمزة والكسائي «إسرارهم» بكسر الهمزة، مصدر «أسرّ» ، وقرأ الباقون «بالهمزة المفتوحة» جمع: سرّ.
انظر الهداية للمهدوى (٢/ ٥١٦) والإتحاف ٢/ ٤٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>