للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ على الجهاد، بيعة الرضوان إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأنه خليفة عنه، فعقد البيعة معه صلى الله عليه وسلم كعقدها مع الله من غير تفاوت بينهما، كقوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «١» ثم أكّد ذلك بقوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يعني: أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله، من باب مبالغة التشبيه، فَمَنْ نَكَثَ نقض البيعة، ولم يفِ بها فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه، قال جابر رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت، وعلى ألاَ نفرّ، فما نكث أحدُ منا البيعةَ، إلا جَدّ بن قَيْسٍِ المنافق، اختبأ تحت إبطِ بعيره، ولم يَسر مع القوم «٢» . وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، يقال: وفيت بالعهد وأوفيت. وقرأ حفص بضم الهاء من «عليه» توسُّلاً لتفخيم لام الجلالة، وقيل: هو الأصل، وإنما كسر لمناسبة الياء. أي: ومَن وفَّى بعهده بالبيعة فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

الجنة وما فيها.

الإشارة: لكل جيل من الناس يبعث اللهُ مَن يُذكِّرهم، ويدعوهم إلى الله، بمعرفته، أو بإقامة دينه، ليدوم الإيمان بالله ورسوله، ويحصل النصر والتعظيم للدين إلى يوم الدين، ولولا هؤلاء الخلفاء لضاع الدين. وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ الآية، قال الورتجبي: ثم صرَّح بأنه عليه السلام مرآة لظهور ذاته وصفاته، وهو مقام الاتصاف بأنوار الذات والصفات في نور الفعل، فصار هو هو، إذ غاب الفعل في الصفة، وغابت الصفة في الذات.

فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ... الآية. وإلى ذلك يُشير الحلاّج وغيره. وقال في القوت: هذه أمدح آية في كتاب الله عزّ وجل، وأبلغ فضيلة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جعله في اللفظ بدلا عنه، وفى الحكم مقامه، ولم يدخل فيه كاف التشبيه، فيقول: كأنما، ولا لام الملك، فيقول: لله، وليس هذا من الربوبية للخلق سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم. هـ.

وقال الحسن بن منصور الحلاج: لم يُظهر الحق تعالى مقام الجمع على أحد بالتصريح إلا على أخص نسَمِهِ وأشرفه، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ. هـ.

قال القشيري: وفي هذه الآية تصريحٌ بعين الجمع، كما قال: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ «٣» وقال في مختصره:

يُشير إلى كمال فنائه وجوده عليه السلام في الله وبقائه بالله. هـ. فالآية تُشير إلى مقام الجمع، المنبه عليه في الحديث:

«فإذا أحببتُه كنت سمعه، وبصره، ويده» «٤» وسائر قواه، الذي هو سر الخلافة والبقاء بالله، وهذا الأمر حاصل


(١) من الآية ٨٠ من سورة النّساء.
(٢) أخرجه مسلم فى (الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، رقم ١٨٥٦، ح ٦٨، ٦٩) .
(٣) من الآية ١٧ من سورة الأنفال.
(٤) سبق تخريج الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>