للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ لتفاصيل الأشياء، أو: محفوظ من التغيير، وهو اللوح المحفوظ، أو: حافظاً لما أودعه وكتب فيه، أو: يريد علمه تعالى، فيكون تمثيلاً لعلمه تعالى بكليات الأشياء وجزئياتها، بعلم مَنْ عنده كتاب حفيظ يتلقى منه كل شيء.

بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ، إضراب وانتقال من بيان شناعتهم السابقة، وتكذيب البعث، الى ما هو أشنع منه وأفظع، وهو تكذيبهم للنبوة الثابتة بالمعجزات الباهرة، لَمَّا جاءَهُمْ من غير تأمُّل وتفكُّر، وقيل: الحق: القرآن، أو: الإخبار بالبعث، فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ مضطرب، لا قرار له، يقال: مرج الخاتم في أصبعه إذا اضطرب من سعته، فيقولون تارة: مجنون، وطوراً: ساحر، ومرة: كاهن، ولا يثبتون على قول. أو: مختلط، يقال: مرج أمر الناس: اختلط. أو: ملبِس، قال قتادة: مَن ترك الحق مرج عليه أمره، وألبس عليه دينه.

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ بحيث يشاهدونها كل وقت كَيْفَ بَنَيْناها رفعناها بغير عمد وَزَيَّنَّاها بما فيها من الكواكب المترتبة على نظام عجيب، وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ من فنوق لمَلاستها وسلامتها من كل عيبٍ وخلل، وَالْأَرْضَ مَدَدْناها بسطناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت، من: رسى الشيء ثبت، والتعبير عنها بهذا الوصف للإيذان بأن إلقاءها إنما هو للإرساء، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صنف بَهِيجٍ حسن. تَبْصِرَةً وَذِكْرى علتان للأفعال المذكورة، أي: فعلنا ما فعلنا تبصُّراً وتذكيراً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي: راجع إلى ربه، متفكر في بدائع صنائعه.

وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير المنافع فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ بساتين كثيرة وَحَبَّ الْحَصِيدِ أي:

حب الزرع الذي شأنه أن يحصد من البُرِّ والشعير وأمثالهما، وتخصيص حب الحصيد بالذكر لأنه المقصود بالذات إذ به جل القوام.

وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ طوالاً في السماء، أو: حوامل، من: بسَقت الشاة: إذا حملت. وتخصيصها بالذكر مع اندراجها في «جنات» لبيان فضلها على سائر الأشجار، لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ منضود، بعضه فوق بعض، والمراد:

تراكم الطلع، أو: كثرة ما فيه من الثمر، رِزْقاً لِلْعِبادِ أي: لرزق أشباحهم، كما أن قوله: تَبْصِرَةً وَذِكْرى لرزق أرواحهم. وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد أن يكون انتفاعه بما ذكر من حيث التذكُّر والتبصُّر الذي هو رزق الروح أهم وأقدم من تمتُّعه من حيث الرزق الحسي، وَأَحْيَيْنا بِهِ بذلك الماء بَلْدَةً مَيْتاً أرضاً جدبة، لا نماء فيها أصلا، فلما أنزلنا عليها الماء ربت واهتزت بالنبات والأزهار، بعد ما كانت جامدة. وضمَّن البلدة معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>