للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفخر: أكثر المفسرين لم يُفرقوا بين الغي والضلال، والفرق بينهما: أنَّ الغي في مقابلة الرشد، والضلال أعم منه، والاسم من الغي: الغَواية- بالفتح- والحاصل: أنّ الغي أقبح من الضلال، إذ لا يرجى فلاحه. وإيراده صلّى الله عليه وسلم بعنوان صاحبهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة، وإحاطتهم خبرا ببراءته- عليه الصلاة والسّلام- مما نفى عنه بالكلية، وباتصافه- عليه الصلاة والسّلام- بغاية الهدى والرشد فإنَّ كون صحبتهم له صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتماً. وتقييد القسم بوقت الهُوى لأن النجم لا يهتدي به الساري إلا عند هبوطه أو صعوده، وأما ما دام في وسط السماء فلا يهتدي به، ولا يعرف المشرق من المغرب، ولا الشمال من الجَنوب.

ثم قال: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أي: وما يصدر نطقه بالقرآن أو غيره عن هواه ورأيه أصلاً، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ من الله تعالى يُوحى إليه، وهي صفة مؤكدة لوَحْي، لرفع المجاز، مفيدة لاستمرار التجدُّد للوحي، واحتج بهذه الآية مَن لا يرى الاجتهاد للأنبياء- عليهم السلام- ويُجاب بأن الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي، لا نُطقاً عن الهوى.

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى أي: مَلكٌ شديد قواه، وهو جبريل عليه السلام، فإنه الواسطة في إيراد الوحي إلى الأنبياء، ومَن قوته أنه خلع قُرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى، وحملها على جناحه، ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وصاح صيحةً بثمود، فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده أسرع من لحظة.

ذُو مِرَّةٍ أي: ذو خصابة «١» في عقله، ورزانة ومتانة في دينه. وأصل المِرة: الشدّة، من مراير الحبل، وهو فتله فتلاً شديداً، أو: ذو حُسن في منظره، فَاسْتَوى: عطفٌ على «علَّمه» بطريق التفسير، فإنه إلى قوله:

(ما أوحى) بيان لكيفية التعليم، أو: فاستقام على صورته التي خلقه الله عليها، دون الصورة التي كان يتمثّل بها كلما هبط بالوحي، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ أن يراه في الصورة التي خلقه اللهُ عليها، وكان صلّى الله عليه وسلم بحراء، فطلع له جبريلُ من المشرق، وسدّ الأرض من المغرب، وملأ الأفق، فخرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل في صورة الأدمي، فضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه. قيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الأصلية إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه رآه فيها مرتين مرة في الأرض، ومرة في السماء، وقيل: استوى بقوته على ما جعل له [من الأمر] «٢» .


(١) فى تفسير أبى السعود [خصافة] .
(٢) زيادة من تفسير أبى السعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>