للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: وكم من المريدين والأتباع مات شيخهم أو قتل، فثبتوا على طريقهم، فما فَشِلوا ولا ضعفوا، ولا خضعوا لمن يقطعهم عن ربهم، بل صبروا على السير إلى ربهم، أو الترقي في المقامات، ومن لم يرشد منهم طلب من يكمل له، (والله يحب الصابرين) ، فإذا أحبهم كان سمعهم وبصرهم، كما في الحديث. وما كان حالهم عند موت شيخهم إلا الالتجاء إلى ربهم، والاستغفار مما بقي من مساوئهم، وطلب الثبات في مواطن حرب أنفسهم، فأعطاهم الله عزّ الدنيا والآخرة، عزّ الدنيا بالإيمان والمعرفة، وعزّ الآخرة بدوام المشاهدة، فكانوا أحباب الله (والله يحب المحسنين) .

ثم حذّرهم الله تعالى من الركون إلى عدوهم، فقال:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠)

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وهم المنافقون، لما قالوا للمسلمين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دينكم الأول، ولو كان نبيّاً ما قتل، يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ راجعين عن إيمانكم، فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ مفتونين عن دينكم، فتحبط أعمالكم فتخسروا الدنيا والآخرة، بل أثبتوا على إيمانكم، فإن الله مَوْلاكُمْ سينصركم ويعزكم، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، وقيل: إن تسكنوا إلى أبي سفيان وأشياعه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينهم. وقيل: عام في مطاوعة الكفرة والنزول على حكمهم فإنه يجر إلى موافقتهم على دينهم، لا سيما إن طالت مدة الاستئمان.

قلت: وهذا هو السبب في ارتداد من بقي من المسلمين بالأندلس حتى رجعوا نصارى، هم وأولادهم، والعياذ بالله من سوء القضاء.

الإشارة: يا أيها المريدون- وخصوصاً المتجردين- إن تطيعوا العامة، وتركنوا إليهم، يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بطلب الدنيا وتعاطي أسبابها، فتزلَّ قدمٌ بعد ثُبْوتها، وتنحط من الهمة العالية إلى الهمة السفلى، فإن الطباع تُسرق، والمرء على دين خليله، بل أثبتوا على التجريد وتحقيق التوحيد، فإن الله مولاكم (وهو خير الناصرين) فينصركم ويعزكم ويغنيكم بلا سبب، كما وعدكم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.

ولّما انصرف أبو سفيان من أحد، قال: بئس ما صنعنا! قتلنا القوم ولم يبق إلا اليسير، ارجعوا حتى نستأصلهم، فألقى الله في قلبه الرعب، كما قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>