للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمان الذي في قوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، وقد يكون واجباً لقوله: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فجعله شرطاً في الإيمان، ولظاهر قوله: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فإن الأمر محمول على الوجوب.

واعلم أن الناس في التوكل على ثلاث مراتب:

الأولى: أن يعتمد العبد على ربه، كاعتماد الإنسان على وكيله المأمون عنده، الذي لا يشك فى نصيحته له وقيامه بمصالحه. الثانية: أن يكون العبد مع ربه كالطفل مع أمه لا يعرف سواها ولا يلجأ إِلاَّ إليها. الثالثة: أن يكون العبد مع ربه كالميت بين يدي الغاسل، قد أسلم إليه نفسه بالكلية.

فصاحب الدرجة الأولى عنده حظ من النظر لنفسه، بخلاف صاحب الثانية. وصاحب الثانية له حظ من الاختيار، بخلاف صاحب الثالثة. وهذه الدرجات مبنية على التوحيد الخاص، الذي تكلمتُ عليه في قوله:

وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فهي تقوى بقوته وتضعف بضعفه.

فإن قيل: هل يشترط في التوكل ترك الأسباب أم لا؟ فالجواب: أن الأسباب على ثلاثة أقسام:

أحدها: سبب معلوم قطعاً قد أجراه الله، فهذا لا يجوز تركه كالأكل لرفع الجوع واللباس لرفع البرد.

الثاني: سبب مظنون: كالتجارة وطلب المعاش، وشبه ذلك، فهذا لا يقدح فعله في التوكل، فإن التوكل من أعمال القلوب لا من أعمال البدن، ويجوز تركه لمن قوي عليه.

والثالث: سبب موهوم بعيد، فهذا يقدح فعله في التوكل، قلت: ولعل هذا مثل طلب الكيمياء والكنوز وعلم النار والسحر، وشبه ذلك.

ثم فوق التوكل التفويض، وهو: الاستسلام لأمر الله تعالى بالكلية، فإن المتوكل له مراد واختيار، وهو يطلب مراده في الاعتماد على ربه، وأما المفوض فليس له مراد ولا اختيار، بل أسند الاختيار إلى الله تعالى، فهو أكمل أدباً مع الله. هـ وأصله للغزالي، وسيأتي بقية الكلام عند قوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ. وبالله التوفيق.

ولما أمر نبيّه- عليه الصلاة والسلام- بالتوكل، رغب فيه جميع عباده، فقال:

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٦٠]]

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>