للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبب نزول الآية: أن سَعدَ بنَ الرَّبِيع، وَكَانَ مِن النُقَبَاءِ، لَطَمَ امرأته حَبيبَةَ بِنتَ زَيدِ بن أبي زُهَيرِ، وكانت نَشَزَتَ عَليهِ، فَانطَلَقَ أبُوُها معَهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفرَشتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَها، فقال- عليه الصلاة والسلام-:

لِتقتَصَّ مِنهُ، فَانصرَفَت لتقتصّ منه، فقال صلّى الله عليه وسلم: ارجعوا، هذا جِبرِيلُ أتَاني وأنزَلَ الله هَذِهِ الآية: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ إلى آخرها، فقال عليه الصلاة والسلام: «أَرَدنَا أمرًا، وأرَادَ اللهُ أمرًا، والَّذِي أرَاد اللهُ خَير» فرفع القِصَاص. وقيل: نزلت في غيره ممن وقع له مثل هذا من النشوز. والله تعالى أعلم.

الإشارة: الرجال الأقوياء قوامون على نفوسهم قهارون لها، بفضل القوة التي مكنهم الله منها، وبما أنفقوا عليها من المجاهدات والرياضات، فهم ينظرون إليها ويتهمونها في كل حين، فإن صلحت وأطاعت وانقادت لما يراد منها من أحكام العبودية، والقيام بوظائف الربوبية، عاملوها بالإكرام والإجمال، ورفعوا عنها الآداب والنكال، وإن نشزت وترفعت أدبوها وهجروها عن مواطن شهواتها ومضاجع نومها، وضربوها على قدر لجاجها وغفلتها.

وكان الشيخ أبو يزيد يأخذ قبضة من القضبان ويذهب إلى خلوته، فكلما غفلت ضربها، حتى يكسرها كلها، وكان بعض أصحابنا يأخذ خشبة ويذهب إلى خلوته، فكلما غفل ضرب رأسه بها، حتى يأتي رأسُه كلَّه مفلول.

ويلغنى أن بعض أصحابنا كان يُدخل في لحمة رجله سكيناً كلما غفل قلبه، وهذا إغراق، وخير الأمور أوسطها.

وبالله التوفيق.

ولمّا تكلم على حكم المرأة الطائعة والناشزة، تكلم على ما إذا أشكل الأمر، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ٣٥]]

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)

قلت: الشقاق: المخالفة والمساورة، وأضيف إلى الظرف توسعًا كقوله: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ، والأصل: شقاقًا بينهما، والضمير في (يُريدا) للحكمين، وفي (بينهما) للزوجين، وقيل: للحكمين معًا، وقيل: للزوجين معًا.

يقول الحق جلّ جلاله: إِنْ خِفْتُمْ يا معشر الحكام، أي علمتم خلافَا بين الزوجين ومشاورة، ولم تدروا الظالم من المظلوم، فَابْعَثُوا رجلين أمينين يحكمان بينهما، يكون أحدهما من أهله والآخر من أهلها، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للإصلاح، فإن بعثهما الحاكمُ أجنبيين صح، وكذا إن أقامهما الزوجان.

وما اتفق عليه الحكمان لزم الزوجين من خُلع أو طلاق أو وفاق. وقال أبو حنيفة: ليس لهما التطليق إلاَّ أن يجعل لهما، وإذا اختلفا لم يلزم شيء، ويستأنفان الحكم، قال ابن جُزَي: ومشهور مذهب مالك: أن الحاكم هو الذي يبعث

<<  <  ج: ص:  >  >>