للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: على المؤمنين لقوله: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ أي: الذين جمعوا بين الكفر والعصيان يتمنون أن تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ فيكونون ترابًا لما يرون من هول المطلع، فإذا شهدت عليهم الرسل بالكفر قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فيُنطق ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بشركهم فيفتضحون وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً واحدًا، لأنهم كلما هموا بالكتمان شهدت عليهم جوارحهم بالكفر والعصيان.

وقيل: إن القيامة مواطن، في موطن لا يتكلمون ولا تسمع إلا همسًا، وفي موطن يتكلمون ويقولون: واللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مشركين، إلى غير ذلك من اختلاف أحوالهم. والله تعالى أعلم.

الإشارة: لا بد أن يحصل الندم لمن فاته صحبة أهل الخصوصية، حتى مات محجوباً عن مشاهدة أسرار الربوبية، لا سيما إذا انضم إليهم كفرهم بخصوصيتهم والإنكار عليهم، وذلك حين يكشف له عن مقامهم البهي وحالهم السني، مصاحبين للمقربين في جوار الأنبياء والمرسلين، وهو في مقام أهل اليمين، ثم يعاتب على ما أسر عليه من الكبائر، وهي معاصي القلوب والضمائر، وهذا إذا مات على الإسلام، وإلا فالإنكار على الأولياء شُؤمُه سوء الخاتمة. والعياذ بالله من ذلك. وقد تقدم أن العارفين بالله يشهدون على العلماء، والعلماء يشهدون على العموم، ونبينا- عليه الصلاة والسلام- يزكي من يحتاج إلى التزكية. والله تعالى أعلم.

ثم تكلم على عماد الدين وهى الصلاة، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ٤٣]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)

قلت: جملة (وأنتم سكارى) : حال، وسكارى: جمع سكران، ويجمع على سُكارى بالفتح، وسكْرى بالسكون، و (لا جُنُبًا) عطف على جملة الحال، و (جُنب) يستوي فيه الواحد والاثنان والجماعة والمذكر والمؤنث، لأنه يجري مجرى المصدر، فلا يُثنى ولا يُجمع. و (إلا عابري) مستثنى من عام الأحوال، وأصل الغائط: الموضع المنخفض من الأرض، ثم أطلق على الواقع فيه مما يخرج من الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>