للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متناهٍ، فحيث انتهى قدم الولي ابتدأ ترقي النبي، وأما أهل الحجاب فإما أن يكون علمهم بالله بالبراهين القطعية والدلائل السمعية، وهم العلماء الراسخون، وهو مقام الشهداء، وإما أن يكون علمهم بالرياضات والمجاهدات وتواتر الكرامات، وهم العباد والزهاد. وهو مقام الصالحين، ويلتحق بهم عوام المسلمين، لأن كل مقام من هذه المقامات فيه درجات ومقامات لا يحصرها إلا العالم بها. والله تعالى أعلم.

ثم رغّب في الجهاد الذي هو المقصود، فقال:

[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٤]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤)

قلت: الحِذر والحَذَر واحد، كالشِّبه والشِّبَه، وبَطًأ يستعمل لازمًا بمعنى ثقل، ومتعديًا- بالتضعيف- أي: بطَّأ غيره، و (لَمَن ليبطئن) اللام الأولى للابتداء، والثانية للقسم، أي: وإنَّ منكم- أُقسم بالله- لمن ليبطئن. وجملة:

(كأن لم يكن) : اعتراضية بين القول والمقول، تنبيهًا على ضعف عقيدتهم، وأن قولهم هذا قولُ من لا مواصلة بينكم وبينه.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تأهبوا واستعدوا لجهاد الأعداء، وخُذُوا حِذْرَكُمْ منهم بالعُدَّةِ والعَدَد، وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة، ولا حجة فيه للقدرية لأن هذا من الأسباب التي ستر الله بها أسرار القدرة. وقد قال لنبيّه- عليه الصلاة والسلام-: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا وقال- عليه الصلاة السلام-:

«اعقلها وتوكل» . وفي ذلك طمأنينة للقلوب التي لم تطمئن وتشريعًا للضعفاء، فإذا تأهبتم واستعددتم فَانْفِرُوا أي: اخرجوا إلى الجهاد ثُباتٍ أي: جماعات متفرقة، سرية بعد سرية، أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً أي: مجتمعين مع نبيكم، أو مع أميركم.

وَإِنَّ مِنْكُمْ يا معشر المسلمين لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ الناس عن الجهاد، أو ليتثاقلن ويتخلفن عنه، وهو عبد الله بن أبي المنافق، وأشباهه من المنافقين، فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ كقتل أو هزيمة قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>