للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة بقوله: (ومن يكسب إثمًا..) الآية، أي: فإنما يُسَوِّدُ به نور نفسه وروحه، ومن تلبَّس بذنب أو عيب، ثم يرم به غيرَه من باب سُوءِ الظن (فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا) لأن الواجب على المريد السائر أن يشهد الصفاء من غيره، ويُقصر النقصَ على نفسه، والواصل يرى الكمال في كل شيء لمعرفته في كل شيء. والله تعالى أعلم.

ثم شهد لرسوله بالهداية والعناية، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ١١٣]]

وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)

قلت: الجارّ في قوله: (من شيء) ، في موضع نصب على المصدر، أي: لا يضرونك شيئًا من الضرر.

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ

بالعصمة ورحمته بالعناية، لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ

وهم رهط السارق أَنْ يُضِلُّوكَ

عن القضاء بالحق، مع علمهم بالقصة، لكن سبقت العناية، وحفت الرعاية، فلم تخرج من عين الهداية. وليس المراد نفي همهم لأنه وقع، إنما المراد نفي تأثيره فيه، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ

لعوده عليهم، وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

لأن الله عصمك، وما خطر ببالك من المجادلة عنهم، كان اعتمادًا منك على ظاهر الأمر، وإنما أُمرتَ أن تحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر.

وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ

أي: القرآن، وَالْحِكْمَةَ

ما نطقتَ به من الحِكَم، وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ

من خفيات الأمور، التي لم تطلع عليها، أو من أمور الدين والأحكام، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

ولا فضل أعظم من النبوة، لا سيما وقد فضَّله على كافة الخلق وأرسله إلى كافة الناس، وهدى الله على يديه ما لم يَهدِ على يدِ أحد من الأنبياء قبله، إلى غير ذلك من الفضائل التي تفوت الحصر.

الإشارة: لولا أن الله تفضل على أوليائه بسابق العناية، وحفَّت بهم منه الكلاءة والرعاية، لأضلتهم العموم عن عين التحقيق، ولأتلفتهم القواطع عن سلوك الطريق، لكن مَن سبقت له العناية لا يصيبه سهمُ الجناية، فثَّبتَ أقدامهم على سير الطريق، حتى أظهر لهم معالم التحقيق، فكشف عن قلوبهم رين الحجاب، حتى فهموا أسرار الكتاب، ونبع من قلوبهم ينابيع الحَكَم والأسرار، واطلعوا على علوم لم يُحِط بها كتاب ولا دفتر، فحازوا في الدارين خيرًا جسيمًا، وكان فضل الله عليهم عظيمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>