للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرجت فكرتها من سجن الأكوان، أغناها الله بشهود ذاته، وأفضت إلى سعة فضاء الشهود والعيان، وملكت جميع الأكوان، «أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدت المكون كانت الأكوان معك» ، وكذلك البشرية يغنيها الله عن تعب الخدمة وتستريح في ظل المعرفة، فلما تفرقا أغنى الله كلاًّ من سعة فضله وجوده، لأنه واسع العطاء والجود، حكيم في تدبير إمداد كل موجود.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣١ الى ١٣٣]

وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣)

وفي قوله: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إشارة إلى أنَّ مَن كان بالله، ووصل إلى شهود ذاته، ملَّكه الله ما في السموات وما في الأرض، فيكون خليفة الله في ملكه، (وما ذلك على الله بعزيز) .

ولمّا جرى الكلام على شأن النساء، وهن حبائل الشيطان، تشغل فتنتهن عن ذكر الرحمن، حذَّر الحق تعالى من فتنتهن، كما هو عادته تعالى في كتابه عند ذكرهن، وأمر بالتقوى التي هي حصن من كل فتنة، فقال:

وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ...

قلت: (من قبلكم) : يتعلق بأوتوا أو بوصينا، و (إياكم) : عطف على الذين، و (أن اتقوا) : على حذف الجار، أي:

بأن اتقوا، أو مفسرة لأن التوصية في معنى القول، و (إن تكفروا) على حذف القول، أي: وقلنا لهم ولكم: وإن تكفروا ... الخ.

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الأمم المتقدمة الذين أنزلنا عليهم الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ كأهل التوراة والإنجيل والزبور، وغيرهم من الأمم، ووصيناكم أنتم أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ بإن تمتثلوا أوامره، وتجتنبوا نواهيَه، ظاهرًا وباطنًا، وقلنا لهم ولكم: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ كفركم وشكركم فقد استقر له ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُلكاً وعبيدًا، فله فيهما من الملائكة من هو أطوع منكم، فلا يتضرر بكفركم، كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم، وإنما أوصاكم رحمًة بكم، لا لحاجة إليكم، ثم قرر ذلك بقوله: وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً أي: غنيًا عن الخلق وعبادتهم، محمودًا في ذاته، حُمِد أو لم يُحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>