للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: أمر الحق جل جلاله شيوخ التربية أن يعدلوا بين الفقراء في النظرة والإمداد، ولا يحملهم سوء آدب أحدهم، أو قلة محبته وصدقه، أن يبعده أو يمقته لأن قلوبهم صافية، لا تحمل الكدر، فهم يحسنون إلى مَن أساء إليهم من العوام، فضلاً عن أصحابهم فهم مأمورون بالتسوية بينهم في التذكير والإمداد. والله تعالى يقسم بينهم على قدر صدقهم ومحبتهم، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أنا قاسمٌ والله مُعطي» أي: إنما أنا أُبين كيفية التوصل إلى الحق، والله- تعالى- يتولى إعطاء ذلك لمن يشاء من خلقه، فالأنبياء والأولياء مثلهم في بيان الطريق بالوعظ والتذكير، كمن يُبين قسمة التركة بالقلم، والحاكم هو الذي يوصل إلى كل واحد من الورثة ما كان يَنُوبُه في التركة، كذلك المذكِّر والمربي، يبين المقامات، والله يعطي ذلك بحكمته وفضله. والله تعالى أعلم.

ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم بشكر نعمة حفظه ورعايته، وتنسحب على الأمراء من بعده، إذ لا يخلو أحد منهم من عدو أو حاسد، فقال:

[[سورة المائدة (٥) : آية ١١]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بحفظه إياكم من عدوكم إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أي: حين هَمَّ الكفار أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالقتل، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، ولما كانت مصيبة قتل النبي صلى الله عليه وسلّم- لو قُتل- تَعُمُّ المؤمنين كلهم، خاطبهم جميعاً، وهي إشارة إلى ما همت به بنو قريظة، من قتله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم أتى بني قريظة، ومعه الخلفاءُ الأربعة يَستَعينهم في دية رجلين مسلمين، قتلهما عَمرو بنُ أمية الضمري، خطأ، يظنهما مشركَين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قد آن لنا أن نعينك فاجلس حتى تطعم، فأجلسوه، وهموا بقتله، فعمد عَمرُو بن جُحَاش إلى رَحى عظيمةٍ ليَطرحَها عليه، فأمسَكَ اللهُ يده، ونزل جِبرِيلُ فأخبَرُه، فخَرَج النَّبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة ولحقه أصحابُه، وهذا كان سبب قتلهم فى غزوة بنى قريظة.

وقيل: نزلت في قضية غَورث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان ببطن نخلة حاصرًا لغطفان، فقال رجل منهم: هل لكم في أن أقتل محمدًا فأفتك به؟ قالوا: وددنا ذلك. فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم متقلدًا سيفه، فَوجد النبي صلى الله عليه وسلّم نازلاً تحت شجرة قد تفرق أصحابه عنه، وقد علق سيفه في الشجرة، فسله الأعرابي وقال: من يمنعك مني؟ وفي رواية: وجد النبي صلى الله عليه وسلّم نائمًا فاستل السيف، فما استيقظ النبي إلا والسيف في يد الأعرابي، فقال: من يمنعك منى يا محمد؟ فقال: «الله» ، فأسقطه جبريل من يده، وأخذه النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «وأنت، من يمنعك مني؟» فقال: كن خير آخذ، فعفى عنه- عليه الصلاة السلام «١» -. زاد البيضاوي: أنه أسلم.


(١) أخرجه القصة: البخاري فى (الجهاد، باب من علق سيفه بالشجر) وفى مواضع أخرى، ومسلم فى (الفضائل، باب توكله صلّى الله عليه وسلّم على الله) عن جابر رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>