للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشاءُ

بعدله وهو من مات منهم على كفره، فأنتم كسائر البشر يعاملكم معاملتهم، لا مزية لكم عليهم، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما كلها سواء في كونها ملكًا وعبيدًا الله- سبحانه- وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقى.

الإشارة: قوله تعالى: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ أي: فلو كنتم أحباءه لما عذبكم لأن الحبيب لا يعذب حبيبه، حكى عن الشبلي رضى الله عنه أنه كان إذا لبس ثوبًا جديدًا مزقه، فأراد ابن مجاهد أن يعجزه بمحضر الوزير، فقال له:

أين تجد في العلم فساد ما ينتفع به؟ فقال له الشبلي: أين في العلم: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ «١» ؟

فسكت، فقال له الشبلي: أنت مقرىء عند الناس، فأين في القرآن: إن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فسكت ابن مجاهد، ثم قال: قل يا أبا بكر، فقرأ له الشبلي قوله تعالى وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، فقال ابن مجاهد: كأني والله ما سمعتها قط. هـ.

وفي الحديث: «إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا لاَ يضُرُّه ذَنبٌ» ، ذكره في القوت. وفي المثل الشائع: (مَن سبقت له العناية لا تضره الجناية) . وفي الصحيح: «لعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أهلِ بَدرِ فَقَالَ: افعلوا ما شئتم فقد غَفَرتُ لَكم» «٢» ، وسببه معلوم، وفي القوت عن زيد بن أسلم: (إن الله- عزّ وجل- ليُحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول له: اصنع ما شئت فقد غفرتُ لك) . وفي القصد للشيخ أبي الحسن الشاذلي- رضي الله عنه- قال: يبلغ الولي مبلغا يقال له:

أصحبناك السلامة، وأسقطنا عنك الملامة، فاصنع ما شئت. هـ.

وليس معناه إباحة الذنوب، ولكنه لمّا أحبه عصمه أو حفظه، وإذا قضى عليه بشيء ألهمه التوبة، وهي ماحية للذنوب، وصاحبها محبوب، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ. والله تعالى أعلم.

ثم دعاهم إلى اتباع رسوله- عليه الصلاة والسّلام، فقال:

[[سورة المائدة (٥) : آية ١٩]]

يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩)

قلت: جملة (يُبين) : حال، أي: جاءكم رسولنا مبينًا لكم، و (على فترة) : متعلق بجاء، أي: جاءكم على حين فترة وانقطاع من الوحي، و (أن تقولوا) : مفعول من أجله، أي: كراهية أن تقولوا.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَهْلَ الْكِتابِ اليهود والنصارى قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا محمد صلى الله عليه وسلّم يُبَيِّنُ لَكُمْ ما اختلفتم فيه، أو ما كتمتم من أوامر الدين، أو مطلق البيان. جاءكم عَلى حين فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ


(١) من الآية ٣٣ من سورة (ص) .
(٢) حديث صحيح أخرجه البخاري فى (المغازي- باب فضل من شهد بدرا) ومسلم فى (فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر) عن سيدنا على رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>