للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق، ولا تتبع أهواء النفوس والخواطر، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل على قلبك من العلوم والأسرار، فإن متابعة الهوى يُعمي القلب عن مطالعة الأسرار، إلا إن وافق السُّنة.

قيل لعمرَ بن عبد العزيز: ما الدّ الأشياءِ عندك؟ قال: حق وافق هواي. وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يكُون هواه تابعاً لما جئتُ به» ، وفي الحِكَم: «يخاف عليك أن تلتبس الطرقُ عليك، إنما يُخاف عليك من غلبة الهوى عليك» .

فمن تولى عن هذا المنهاج الواضح، وجعل يتبع الهوى ويسلك طريق الرخص، فليعلم أن الله أراد أن يعاقبه ببعض سوء أدبه، حتى يخرج عن منهاج السالكين، والعياذ بالله، أو يؤدبه في الدنيا إن كان متوجهًا إليه.

ثم حذّر من صحبة أهل الأهواء، فقال:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥١ الى ٥٣]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣)

قلت: (يقول الذين آمنوا) قرىء بغير واو استئنافًا، وكأنه جواب عن سؤال، أي: ماذا يقول المؤمنون حينئٍذ؟

فقال: يقول ... الخ، وقرىء بالواو والرفع عطف جملة على جملة، وقرىء بالواو والنصب عطف على (فيصبحوا) أو (يأتي) .

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ تنتصرون بهم، أو تعاشرونهم معاشرة الأحباب، أو تتوددون إليهم، وأما معاملتهم من غير مودة فلا بأس، ثم علل النهي عن موالاتهم فقال: هم بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي: لأنهم متفقون على خلافكم، يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين، وإجماعهم على مضادتكم، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ أي: من والاهم منكم فإنه من جملتهم.

قال البيضاوي: وهذا تشديد في وجوب مجانبتهم، كما قال صلّى الله عليه وسلّم «المؤمنُ والمشركُ لا تَتَراءى نَارهَمَا» «١» أو لأن الموالين لهم كانوا منافقين. هـ.


(١) أخرجه أبو داود فى (الجهاد، باب النهى عن قتل من اعتصم بالسجود) والترمذي فى (السير، باب كراهة المقام بين أظهر المشركين) من حديث جرير: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود.. الحديث، وفيه: وقال: أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: ولم؟ «لا تترأى نارهما» .
ومعناه: لا ينبغى لمسلم أن يساكن الكفار حتى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يراها. أنظر معالم السنن للخطابى على هامش سنن أبى داود ٣/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>