للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحرس، حتى نزلت، فأخرج رأسه من قبة أدم، فقال: «انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس» «١» . وظاهر الآية يوجب تبليغ جميع ما أنزل الله. ولعل المراد تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد، وقصد بإنزاله إطلاعهم عليه، فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه. قاله البيضاوي.

الإشارة: قال الورتجبي: أمره بإبلاغ ما أنزل إليه من الذي يتعلق بأحكام العبودية، ولم يأمرهم بأنه يعرفهم أسرار ما بينه وبين الله، وما بين الله وبين أنبيائه وأوليائه. ثم قال: (والله يعصمك) أي: يعصمك أن يوقعك أحد فى التمويه والغلط والحيل في طريقك إليَّ، وهذا لكونه مختارًا بالرسالة، وحقائق الرسالة في الرسول: ظهور أنوار الربوبية في قلبه، وبيان أحكام العبودية في سرّه. وقال الأستاذ، يعني القشيري: يقال في قوله: (والله يعصمك من الناس) أي: حتى لا تغرق في بحر التوهم، بل تشاهدهم كما هُم وجودًا بين طرفي العَدَم. انتهى نقل الورتجبي.

وقال القشيري أيضًا: لا تكتم شيئًا مما أوحينا إليك مُلاحظةً غير، إذ لا غيرَ في التحقيقَ إلا رسومًا موضوعة، أحكام القدرة عليها جارية. ثم قال: (والله يعصمك) أي: يعصم ظاهرك من أن يَمَسَّك من أذاهم شيء، فلم يتسلط عليه بعد هذا عدو، أي: وما وقع له من الشج وغيره كان قبل ذلك، وقيل: المراد عصمته من القتل، ثم قال:

ونصون سِرَّك عنهم، حتى لا يقع على إحساسهم. وقال شيخنا السلمي: قيل: يعصمك منهم أن يكون منك إليهم التفات، أو يكون لك بهم اشتغال. انتهى.

قلت: صدق الباطن، لا ينفك عنه من أول الأمر لأنه من ضروريات كونه رسول الله بالله، وهذا قد يتحقق للمأذون من أتباعه، فضلاً عنه، والظاهر ما صدر به من عصمة ظاهره، أو أن يقع خلل في طريقه بتمويه أو غلط أو حيلة، كما أشار إليه الورتجبي. فللَّه دره. قاله المحشي الفاسي. والله تعالى أعلم.

ثم أبطل دين من حاد عن رسالة نبيه، فقال:

[[سورة المائدة (٥) : آية ٦٨]]

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: يا أَهْلَ الْكِتابِ اليهود والنصارى، لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ أي:

لستم على دين يعتد به، حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ على لسان محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومن إقامتها الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلّم والإذعان لحكمه، فإن الكتب الإلهية بأسرها، أمرت بالإيمان والإذعان، لمن صدقته المعجزة، وهي ناطقة بوجوب الطاعة له، والمراد بإقامة الكتابين: إقامة أصولهما وما لم ينسخ من فروعهما، لا جميعهما. والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه الترمذي فى (التفسير، سورة المائدة) والحاكم فى (التفسير ٢/ ٣١٣) ، وصححه، ووافقه الذهبي، كما أخرجه البيهقي فى الدلائل (باب قول الله عز وجل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من حديث السيدة عائشة رضى الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>