للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ: قوم بين النصارى والمجوس، أو عباد الكواكب، أو قوم بقوا على دين نوح- عليه السلام- وَالنَّصارى: قوم عيسى، مَنْ آمَنَ منهم بِاللَّهِ إيمانًا حقيقيًا بلا شرك ولا تفريق، وآمن باليوم الآخر، وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، قال ابن عباس: نسخها: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ «١» ، وقيل: إن هؤلاء الطوائف من آمن منهم إيمانًا صحيحًا فله أجره، فيكون في حق المؤمنين: الثبات عليه إلى الموت، وفي حق غيرهم: الدخول في الإسلام، فلا نسخ. وقيل: إنها فيمن كان قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلّم فلا نسخ أيضًا. قاله ابن جزي.

الإشارة: الذي طلب الله من العباد ورغبهم في تحصيله، وجعله سببًا للنجاة من كل هول في الدنيا والآخرة ثلاثة أمور: أحدها: تحقيق الإيمان بالله، والترقي فيه إلى محل شهود المعبود، الثاني: تحقيق الإيمان بالبعث وما بعده، حتى يكون نصب عينيه، ويقربه كأنه واقع يشاهده إذ كل آت قريب. والثالث: إتقان العمل إظهارًا للعبودية، وتعظيمًا لكمال الربوبية، على قدر الاستطاعة من غير تفريط ولا إفراط، وبالله التوفيق.

ثم خص اليهود بالعتاب لعظم جرأتهم، فقال:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٠ الى ٧١]

لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)

قلت: المضارع إذا وقع بعد العلم وجب إهمال (إن) معه، فتكون مخففة، وإن وقعت بعد الظن يصح فيها الوجهان، فمن قرأ: (وحسبوا ألا تكون) بالرفع، فأن مخففة، ومن قرأ بالنصب فأن مصدرية. والفرق بين العلم والظن، أن علم العبد إنما يتعلق بالحال، و (أن) تُخلص للاستقبال، فلا يصح وقوعها بعد العلم، فأهملت وكانت مخففة من الثقيلة، بخلاف الظن فيتعلق بالحال والاستقبال، فصح وقوع (أن) بعده. و (كلما) : ظرف لكذبوا أو يقتلون، و (كثير) : بدل من فاعل عموا وصموا.

يقول الحق جلّ جلاله: لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ أن يعملوا بأحكام التوراة، وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا يجددون العهد ويحثون على الوفاء به، ثم إنهم طغوا وعتوا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ من عند الله بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ من الشرائع التي تخالف أهواءهم ومشاق الطاعة، فَرِيقاً منهم كذبوهم وَفَرِيقاً يقتلونهم، أي: كذبوا فريقًا كداود وسليمان، وفريقًا قتلوهم بعد تكذيبهم كزكريا ويحيى، وقصدوا قتل عيسى عليه السلام فليس ما فعلوا معك ببدع منهم، فلهم سلف في ذلك.


(١) من الآية ٨٥ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>