للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: (فجزاء) : مبتدأ، والخبر محذوف، أي: فعليه جزاء، أو خبر عن مبتدأ محذوف، أي: فواجبه جزاء، و (مثل) : صفته، و (من النعم) : صفة ثانية لجزاء، أي: فعلية جزاء مماثل حاصل من النعم، ومن قرأ (مثل) بالجر، فعلى الإضافة، من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: فعليه أن يجزي مثل ما قتل، أو يكون (مثل) مقحمة كما في قولهم: مثلى لا يقول كذا. وقرىء بالنصب، أي: فليجزأ جزاء مماثلاً. وجملة (يحكم) صفة لجزاء أيضًا، أو حال من ضمير الخبر.

و (هَديًا) : حال من ضمير (به) ، أو من جزاء لتخصيصه بالإضافة أو الصفة فيمن نون، و (بالغ) : صفة للحال، أو بدل من مثل باعتبار محله، أو لفظه فيمن نصبه، أو (كفارة) عطف على (جزاء) إن رفعته، وإن نصبت جزاء فهو خبر، أي: وعليه كفارة، و (طعام مساكين) : عطف بيان، أو بدل منه، أو خبر عن محذوف، أي: هي طعام، ومن جرا طعامًا فبالإضافة للبيان، كقوله: خاتم فضة، أو (عدل) عطف على (طعام) فيمن رفعه، أو خبر فيمن جره، أي: عليه كفارة طعام، أو عليه عدل ذلك، و (ليذوق) : متعلق بمحذوف، أي: فيجب عليه الجزاء أو الطعام أو الصوم ليذوق سوء عاقبة فعله، و (متاعًا لكم) : مفعول من أجله، و (حُرُمًا) : حال، أي: ما دمتم محرمين، أو خبر دام على النقص، ويقال: دام يدوم دُمت، كقال يقول قلت، ودام يَدام دِمت، كخاف يخاف خفت. وبه قٌرىء في الشاذ.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ أي: والله ليختبرنكم اللَّهُ بِشَيْءٍ قليل مِنَ الصَّيْدِ يسلطه عليكم وَيُذَلِّلُهُ لكم حتى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ بالأخذ وَرِماحُكُمْ بالطعن لِيَعْلَمَ اللَّهُ علم ظهور وشهادة تقوم به الحجة، مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فيكف عن أخذه حذرًا من عقاب ربه، نزل عام الحديبية، ابتلاهم الله بالصيد، كانت الوحوش تغشاهم في رحالهم، بحيث يتمكنون من صيده، أخذًا بأيديهم وطعنًا برماحهم، وهم مُحرمون، وكان الصيد هو معاش العرب ومستعملاً عندهم، فاختبروا بتركه مع التمكن منه، كما اخُتبر بنو إسرائيل بالحوت في السبت.

وإنما قلَّلَهُ بقوله: بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ إشعارًا بأنه ليس من الفتن العظام كبذل الأنفس والأموال، وإنما هو من الأمور التي يمكن الصبر عنها، فمن لم يصبر عنده فكيف يصبر بما هو أشد منه؟ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ الابتلاء بأن قتل بعد التحريم، فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة، لأن من لا يملك نفسه فى مثل هذه فكيف يملكها فيما تكون النفس فيه أميل وعليه أحرص؟!.

ثم صرح بالحرمة، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ أي: محرمون جمع حَرَم، والمراد من دخل في الإحرام أو في الحرم، وذكر القتل ليفيد العموم، فيصدق بالذبح وغيره، وما صاده المحرم

<<  <  ج: ص:  >  >>