للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: يلحقهم، جعل العذاب ماسًّا لهم كأنه الطالب للوصول إليهم، واستغنى بتعريفه عن توصيفه.

وذلك المس بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي: بسبب خروجهم عن التصديق والطاعة.

الإشارة: ما من زمان إلا ويبعث الله أولياء عارفين، مبشرين لمن أطاعهم واتبعهم بطلعة أنوار الحضرة على أسرارهم، ومنذرين لمن خالفهم بظهور ظلمة الكون على قلوبهم، وانطباع الأكوان في أسرارهم، فمن آمن بهم وصحبهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بدليل قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «١» ، ومن كذب بهم وبما يظهر على أيديهم من أسرار المعارف يمسهم عذاب القطيعة، بما كانوا يفسقون، أي: بخروجهم عن طاعتهم والإذعان إليهم.

وليس من شرط الداعين إلى الله ظهور المعجزات أو الكرامات، كما قال تعالى:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٠]]

قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم يا محمد: أنا لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ فآتيكم منها بكل ما تقترحون عليَّ من المعجزات، بل خزائن مقدوراته تعالى في علم غيبه، ليس لي منها إلا ما يُظهره منها بقدرته، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ حتى أخبركم بالمغيبات، بل مفاتيح الغيب عنده، لا يعلمها إلا هو، إِلا ما يُوحَى إِليَّ منها، وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ فأستغنى عن الطعام والشراب، أو أقدر على ما يقدر عليه الملك، إن أنا إلا بشر أوحى إليَّ أن أنذركم، فأتبع ما يوحى إلىّ وأتبرأ من دعوى الألوهية والملكية، وأدعي النبوة التي هي من كمالات البشر.

قُلْ لهم: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى الذي هو ضال جاهل، وَالْبَصِيرُ الذي هو مهتدٍ عالم، أو: هل يستوي مدعي المستحيل كالألوهية والمَلَكية ومُدَّعي الحق، كالنبوة والرسالة، أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فتميزوا بين أدعاء الحق والباطل، فتهتدوا إلى اتباع الحق وتجنب الباطل.

الإشارة: ما قالته الرسل للكفار حين اقترحوا عليهم المعجزات، تقوله الأولياء لأهل الإنكار، حين يطلبون منهم الكرامات، وتقول لهم: إن نتبع إلا ما أمرنا به ربنا وسنّه لنا رسولُنا، فمن اهتدى وتبصر فلنفسه، ومن عمى فعليها.

وقال الورتجبي- بعد قوله-: وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ: تواضع صلّى الله عليه وسلّم حين أقام نفسه مقام الإنسانية، بعد أن كان أشرف خلق الله من العرش إلى الثرى، وأظهر من الكروبيين والروحانيين على باب الله سبحانه، خضوعًا


(١) الآية ٦٢ من سورة يونس. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>