للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهوائي في محبوب واحد، حين وصلت إلى حضرته، وتنعمت بشهود طلعته، فانحصرت محبتي في محبوب واحد، وفي ذلك يقول القائل:

كَانَتْ لقَلْبيَ أَهْوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ ... فَاسْتَجْمَعَتْ مُذَ رَأَتْكَ الْعَيْنُ أهوائِي

فَصَارَ يَحسُدُنِي مَن كُنتُ أحسُدُهُ ... وَصِرتُ مَولَى الوَرَى مُذ صِرت مَولائِي

تَرَكتُ لِلنَّاسِ دنياهم ودِينَهُم ... شُغلاً بِذِكرك يَا دِينِي ودُنيَائِي

وقال آخر:

تَركتُ للنَّاسِ، مَا تَهوَى نُفوسُهم ... مِن حُبِّ دُنيا وَمِن عزِّ وَمِن جَاهِ

كذَاكَ تَرْكُ المَقَامَاتِ هُنَا وَهُنَا ... والقَصدُ غَيبَتُنَا عَمَّا سِوَى اللهِ

قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي: بصيرة نافذة في مشاهدة أسرار ربي، فقد كذَّبتم بخصوصيتي، وطلبتم دلائل ولايتي، ما عندي ما تستعجلون به من الكرامات، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، يقضي القضاء الحق، فيُظهر ما يشاء، ويُخفي مَن يشاء، وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ أي: الحاكمين بين عبادة، قل لو أن عندي ما تستعجلون به من نفوذ دعوتي في إظهار كرامتي، لقٌضي الأمر بيني وبينكم، والله أعلم بالمكذبين بأوليائه.

ثم قال تعالى:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٩]]

وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩)

قلت: (مفَاتِح) : جمعِ مفتح- بكسر الميم- مقصور، من مفتاح، وهو آلة الفتح، وهو مستعار لما يتوصل به إلى الغيوب، أو يفتحها، وهو المخزن.

يقول الحق جلّ جلاله: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ أي: علم المغيبات، لا يعلمها غيره، إلا من ارتضى من خلقه، أو: عنده خزائن علم الغيوب لا يعلمها غيره، والمراد بها الخمسة التي ذكرها الحق تعالى في سورة لقمان:

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «١» الآية لأنها تعم جميع الأشياء، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله، فقد اختص


(١) الآية ٣٤ من سورة لقمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>