للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة، قلت: لا بد لي، قال: فلا تعاملهم، فإن معاملتهم خسران وحسرة ووحشة، قلت: أنا بين أظهرهم، لا بد لي من معاملتهم، قال: لا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة، قلت: هذا لعله يكون، قال: يا هذا، تنظر إلى اللاعبين، وتسمع إلى كلام الجاهلين، وتعامل البطَّالين، وتسكن إلى الهلكى، وتريد أن تجد حلاوة المعاملة في قلبك مع الله عز وجل!! هيهات، هذا لا يكون أبدًا. هـ.

وفي الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أخوَفُ ما أخافُ على أمَّتِي ضَعفُ اليَقِين» «١» . وإنما يكون برؤية أهل الغفلة ومخالطة أرباب البطالة والقسوة، وتربية اليقين وصحته إنما تُكتسب بصحبة أهل اليقين واستماع كلامهم، والتودد إليهم وخدمتهم. وفي بعض الأخبار: (تعلموا اليقينَ بمجالسةِ أهل اليقين) ، وفي رواية: «فَإنَّي أتعلَّمُه» ، والحاصل: أن الخير كله في صحبة العارفين الراسخين في عين اليقين. أو حق اليقين، وما عداهم يجب اعتزالهم، كيفما كانوا، إلا بقصد الوعظ والتذكير، ثم يغيب عنهم، وإلى هذا أشار ابن الفارض رضى الله عنه بقوله:

تَمَسّك بأذيالِ الهَوَى واخلعَ الحَيَا ... وخَلّ سَبِيلَ النَّاسِكينَ وإن جَلُّوا

وبالله التوفيق.

وأصل تنوير القلب باليقين والمعرفة: هو أكل الحلال وتجنب الحرام، كما بيّنة الحق تعالى بقوله:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٨ الى ١٢١]

فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)

يقول الحق جلّ جلاله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عند ذبحه، ولا تتورعوا منه، إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ، فإن الإيمان يقتضي استباحة ما أحل الله تعالى، واجتناب ما حرمه، وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أي: ما يمنعكم منه، وأيّ غرض لكم في التحرُّج عن أكله؟. وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ فى الكتاب،


(١) ذكره بنحوه السيوطي فى الجامع الصغير، وعزاه للطبرانى فى الصغير والبيهقي فى الشعب، من حديث أبى هريرة، وحسنّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>