للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ يعني: العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي أو الفقر، بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا دليل لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله رازق أولادهم كما يرزقهم، وليسوا هم الرازقين لهم، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ من البحائر والسوائب ونحوهما افْتِراءً عَلَى اللَّهِ من عند أنفسهم، قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى الحق والصواب.

الإشارة: قد خسر الذين ضيعوا قلوبهم فلم تنتج لهم شيئًا من أبكار الحقائق وأسرار العلوم، بل اشتغلوا بالسفه من القول والفعل، بغير علم ولا بصيرة نافذة، وحرموا ما رزقهم اللهُ من العلوم والأسرار، لو طهروا قلوبهم، وخربوا ظواهرهم وخرقوا عوائدهم، لكنهم حكموا على فعل ذلك بالتحريم، تجمدوا على علم الرسوم وحفظ المروءة، والمروءة إنما هي التقوى والدين، كما قال الإمام مالك رضى الله عنه، قد ضلوا عن طريق الوصول، وما كانوا مهتدين إلى طريق الخصوص، ما داموا على ما هم عليه من زيّ اللصوص.

ثم بيّن أن الأشياء كلها لله، ليس لأحد فيها شىء حتى يحلل منها أو يحرم، فقال:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤١]]

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١)

قلت: (مختلفًا) : حال مقدَّرة لأنه لم يكن كذلك عند الإنشاء،. والضمير في أُكُلُهُ: يعود على النخل، والزرعُ مقيس عليه، أو للجميع على تقدير: كل واحد منهما.

يقول الحق جلّ جلاله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ أي: خلق جَنَّاتٍ بساتين مشتملة على كروم- أي:

دوالي- مَعْرُوشاتٍ أي: مرفوعة بالعرشان والدعائم، وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ أي: مبسوطة على وجه الأرض، قيل: المعروشات: ما غرسه الناس في العمران، وغير المعروشات: ما أنبته فى الجبال والبراري.

وَأنشأ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ أي: ثمره الذي يؤكل منه، واختلافه في اللون والطعم والرائحة والحجم والهيئة والكيفية، وذلك دليل على عظمة القادر المريد، وَأنشأ الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ أي: تتشابه بعض أفرادهما في اللون والطعم، ولا يتشابه بعضها. كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ أي: من ثمر كل واحد منهما، إِذا أَثْمَرَ وإن لم يطب، قيل: فائدة الأمر بالأكل: رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله منه قبل الطيب، أي: قبل أن تجب زكاته، وأما إذا طاب فلا بد من التخريص «١» .


(١) خرص النخلة والكرمة يخرصها خرصا: إذا حزر ما عليها من الرّطب تمرا، ومن العنب زبيبا، فهو من الخرص أي: الظن لأن الحزر إنما هو تقدير بظن. انظر النهاية (مادة: خرص) .

<<  <  ج: ص:  >  >>