للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ وهي ما تزايد قبحها من المعاصي، وقيل: ما يتعلق بالفروج، ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ أي: جهرها وسرها، أو ما يتعلق بالجوارح الظاهرة والعوالم الباطنية وهي القلوب، وَالْإِثْمَ كقطع الرحم، أو عام في كل ذنب، وَالْبَغْيَ وهو الظلم كقطع الطريق والغصب، وغير ذلك من ظلم العباد، أو التكبر على عباد الله وقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ: تأكيد له في المعنى. وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أي: حجة على استحقاق العبادة، وهو تهكم بالمشركين، وتنبيهٌ على تحريم ما لم يدل عليه برهان.

وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ من الإلحاد في صفاته، والافتراء عليه كقولهم: اللَّهُ أَمَرَنا «١» ، ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا «٢» .

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ أي: مدة ووقت لنزول العذاب بها إن لم يؤمنوا، وهو تهديد لأهل مكة، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ أي: انقرضت مدتهم، أو دنى وقت هلاكهم، لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً عنه وَلا يَسْتَقْدِمُونَ أي: لا يتأخرون ولا يتقدمون عنه أقصَر وقت، أو لا يطيقون التقدم والتأخر لشدة الهول، وجعل بعضهم:

(ولا يستقدمون) استئنافًا لأن الأجل إِذا جاء لا يتصور التقدم، وحينئذٍ يوقف على: ساعَةً، ثم يقول: ولا هم يستقدمون عنه قبل وصوله.

الإشارة: قال شيخنا البوزيدى رضى الله عنه: زينة الله التي أظهر لعباده هي لباس المعرفة، وهو نور التجلي، والطيبات من الرزق هي حلاوة الشهود. هـ. وهي لمن كمل إيمانه وصِدقه في الحياة الدنيا، وتصفو له إلى يوم القيامة، فهي حلال على أهل التجريد يتمتعون بها في الدارين، وإنما حرّم عليهم ما يشغلهم عن ربهم من جهة الظاهر، وما يقطعهم عن شهوده من جهة الباطن، وسوء الأدب مع الله، والتعرض لعباد الله، والشرك بالله بأن يشهدوا معه سواه، وأن يقولوا على الله ما يوهم نقصًا أو خللاً في أنوار جماله وسناه. والله تعالى أعلم.

ثم إن العباد والزهاد وأهل البداية من المريدين السائرين- ينبغي لهم أن يزهدوا في زينة الدنيا وطيباتها لئلا تركن إليها نفوسهم، فيثبط سيرهم، وأما الواصلون فهم مع الله، لا مع شيء سواه، يأخذون من الله بالله، ويدفعون بالله، وقد اتسعت دائرة علمهم، فليسوا مع لباس ولا أكل ولا شرب ولا جوع ولا شبع، هم مع ما يبرز في الوقت من المقدورات. والله تعالى أعلم.


(١) من الآية ٢٨ من سورة الأعراف.
(٢) من الآية ١٤٨ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>