للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ أي: تتركهم يخالفون دينك لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي: يخربوا ملكك بتغيير دينك ودعوتهم إلى مخالفتك، وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ أي:

يترك موسى دينك ومعبوداتك التي تعبد، قيل: كان يعبد الكواكب، وقيل: صنع لقومه أصنامًا وأمرهم أن يعبدوها تقربًا إليه. ولذلك قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «١» . قال فرعون في جوابهم: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ أي: ذكورهم وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ أي: بناتهم، كما كنا نفعل من قبل، ليُعلم أَنَّا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه. وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ غالبون، وهم مقهورون تحت أيدينا.

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، قاله تسكينًا لهم حين سمعوا قول فرعون وما هددهم به، ثم قال لهم: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وسيورثها لكم إن صبرتم وآمنتم. وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، فتكون العاقبة لكم إن اتقيتم، وهو وعدٌ لهم بالنصر والعز، وتذكير بما وعدهم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وملكهم.

قالُوا أي: بنو إسرائيل: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا بقتل الأبناء، وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا بإعادته، فلم يرتفع عنا الذل بمجيئك، قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ، تصريحًا بما كِنّى عنه أولاً، لما رأى أنهم لم يتسلوا بذلك، ولعله أتى بحرف الطمع، أي: الترجي لعدم جزمه بأنهم المستخلَفون بأعيانهم، أو أولادهم، وقد رُوِي أن مصر إنما فتح لهم في زمن داود عليه السلام. قاله البيضاوي. فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أي: فإذا استخلفكم يرى ما تعملون من شكر أو كفران، أو طاعة أو عصيان، فيجازيكم على حسب ما يُوجد منكم من كفر أو إحسان.

الإشارة: ما وقع للأنبياء مع قومهم وقع مثله لأشياخ هذه الأمة وفقرائها مع أهل زمانهم، ولما كثرت الأحوال من الفقر أو خرق العوائد، وظهروا بتخريب ظواهرهم، وقعت بهم الشكاية إلى السلطان، وقالوا له: هؤلاء يخربون ملكك، فآل على نفسه إنَّ مكنه الله منهم لا يترك منهم أحدًا، فكفى الله بأسه، فاستعانوا بالله وصبروا، واشتغلوا بذكر الله، وغابوا عمن سواه، فكانت العاقبة للمتقين.

ثم ذكر ابتلاءه لقوم فرعون، فقال:

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٠ الى ١٣١]

وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١)


(١) كما جاء فى الآية ٢٤ من سورة النازعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>