للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: جملة (خُذوا) : محكية، أي: وقولنا لهم: خذوا.

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر إِذْ نَتَقْنَا أي: قلعنا ورفعنا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ أي: فوق بني إسرائيل، كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ أي: سقيفة، والظلة: كل ما أظلك، وَظَنُّوا أي: تيقنوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ أي: ساقط عليهم بسبب عصيانهم لأن الجبل لا يثبت في الجو لأنهم كانوا يوعدون به، وإنما عبَّر بالظن لأنه لم يقع بالفعل حين الظن، وسبب نتق الجبل أنهم امتنعوا من أحكام التوراة، فلم يقبلوها لثقلها، فرفع الله الطور فوقهم، وقيل لهم:

إن قبلتم ما فيها وإلاَّ ليقعن عليكم، فقلنا لهم حين الرفع: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ من الأحكام بِقُوَّةٍ، وَاذْكُرُوا ما فِيهِ بالعمل به، ولا تتركوه كالمنسى، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق.

الإشارة: من لم ينقد إلى الله بملاطفة الإحسان، قيد إليه بسلاسل الامتحان، عَجِبَ رَبُّكَ من قَوْمٍ يُساقون إلى الجنة بالسلاسل.

ولما ذكر الميثاق الخاص، ذكر الميثاق العام، فقال:

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٤]

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤)

قلت: (من ظهورهم) : بدل من (بني آدم) ، أي: من ظهور بني آدم، و (ذريتهم) : مفعول به، و (بلى) : حرف جواب، يُجاب بها عن الهمزة إذا دخلت على منفي، فخرجت عن الاستفهام إلى التقرير، وهو حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي، نحو: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «١» ، فيجاب ببلى، أي: شرحت، وكذا نظائرها، ومنه:

(إلست بربكم..) الآية.

وقد يجاب بها الاستفهام المجرد عن النفي، كما في الحديث: «أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قالوا:

بلى» «٢» . ولكنه قليل، فلا يُقاس عليه، بل يوقف على ما سمع، والكثير: أنها جواب للنفي، ومعناها: إثبات ما نفي، ورفع النفي، لا إثباته وتقريره، بخلاف «نعم» فإنها تقرر ما قبلها من إثبات أو نفي، ولذا قال ابن عباس: (ولو قالوا: نعم، لكفروا) ، وقد تقدم الفرق بينهما في سورة البقرة، «٣» ثم الكثير: مراعاة صورة النفي، فيجاب ببلى، وقد


(١) الآية الأولى من سورة الشرح.
(٢) أخرجه مسلم فى (الإيمان- باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة) من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه.
(٣) راجع تفسير الآية ٨١ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>