للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نهى عن الفرار فى الحرب، فقال:

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٥ الى ١٦]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)

قلت: (زحْفاً) : مصدر، وزحف الصبي إذا دب على مقعده قليلا قليلا، سمى به الجيش المقابل للقتال لأنه يندفع للقتال شيئاً فشيئاً، ونصبه على الحال من فاعل «لقيتم» ، أو «من الذين كفروا» ، و (متحرفاً) و (متحيزاً) :

حالان، و (إلا) مُلغاة، ووزن متحيز: متفيْعل، لا متفعل، وإلا لكان متحوزاً لأنه من حاز يحوز.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زاحفين لهم، تدبون إليهم ويدبون إليكم، تريدون قتالهم متوجهين إليهم، فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ بالانهزام عنهم، فإنه حرام، وهو من الكبائر، ويفيد بألا يكون الكفار أكثر من ثلثي المسلمين، فإن زادوا على ثلثي المسلمين حلَّ الفرار، وأن يكون المسلمون مسلحين، وإلا جاز الفرار ممن هو بالسلاح دونه، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ، وهو أن يكرّ راجعاً أمام العدو ليرى عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه، وهو من مكائد الحرب، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ أي:

منحازاً إلى جماعة من المسلمين ليستعين بهم، فإن كانت الجماعة حاضرة في الحرب، أو قريبة، فالتحيز إليها جائز باتفاق، واختلف في التحيز إلى المدينة والإمام والجماعة إذا لم يكن شيء من ذلك حاضراً.

ويُروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: أنا فئة لكل مسلم. ورُوي عن ابن عمر: أنه كان في سرية بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ففرّوا إلى المدينة، فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، نحن الفَرَّارُونَ، فقال: «أًنْتُم الكرَّارُونَ، وأنا فِئَتُكُمْ» «١» .

فمن فرَّ من الجهاد بالشرط المتقدم فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، ومن هذا يفهم أنه من الكبائر. قال البيضاوي: وهذا إذا لم يزد العدو على الضعف، لقوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ... «٢»

الآية، وقيل: الآية مخصوصة بأهل بيته والحاضرين معه في الحرب. هـ.

الإشارة: يقول الحق جلّ جلاله للمتوجهين إليه بالمجاهدة والمكابدة: إذا لقيتم أعداءكم من القواطع كالحظوظ، والشهوات، وسائر العلائق، فاثبتوا حتى تظفروا، ولا ترجعوا وتولوهم الأدبار فيظفروا بكم، إلا متحرفا


(١) أخرجه أحمد فى المسند (٢/ ٧٠) وأبو داود فى (الجهاد- باب فى التولي يوم الزحف) والترمذي وحسنه فى (الجهاد- باب ما جاء فى الفرار يوم الزحف) .
(٢) الآية ٦٦ من سورة الأنفال.

<<  <  ج: ص:  >  >>