للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ

أمرهم بمقاومة الواحد لاثنين. وقيل: كان فيهم قلة، فلما كثروا خفف عنهم، وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد، والضعف:

ضعف البدن، لا ضعف القلب.

قال بعض الصحابة- رضي الله عنهم-: لما نزل التخفيف ذهب من الصبر تسعة أعشار، وبقي العشر. ولذلك قال تعالى هنا: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، أي: بالنصر والمعونة، فكيف لا يغلب من يقاومهم ولو كثر عدده؟.

الإشارة: ينبغي لأهل التذكير أن يُحرضوا الناس على جهاد نفوسهم، الذي هو الجهاد الأكبر، وإنما كان أكبر لأن العدد الحسي يقابلك وتقابله، بخلاف النفس فإنها جاء تحت الرماية خفية عدو حبيب، فلا يتقدم لجهادها إلا الرجال، فينبغي للشيوخ أن يحضوا المريدين على جهادها، ويهونوا لهم شأنها فإنَّ النفس لا يهول أمرها إلا قبل رمي اليد فيها، فإذا رميت يدك فيها بالعزم على قتلها ضعفت ولانت، وسهل علاجها، وإذا خِفت منها، وسوَّفت لها، طالت عليك وملكتك. ولا بد في جهادها من شيخ يريك مساوئها، ويعينك بهمته على قتلها، وإلاّ بقيتَ في العَنَتِ معها، والشغل بمعاناتها حتى تموت بلا حصول نتيجة جهادها، وهي المعرفة بسيدها وخالقها. والله تعالى أعلم.

ثم عاتبهم على أخذ الفداء من الأسارى، فقال:

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)

يقول الحق جلّ جلاله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى يقبضها حَتَّى يُثْخِنَ أي: يبالغ فِي الْأَرْضِ بالقتل حتى يذل الكفر ويقل حزبه، ويعز الإسلام ويستولي أهله. تُرِيدُونَ بقبض الأسارى عَرَضَ الدُّنْيا حطامها بأخذ الفداء منهم، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ أي: يريد لكم ثواب الآخرة، الذي يدوم ويبقى، أو يريد سبب نيل الآخرة من إعزاز دينه وقمع أعدائه، وَاللَّهُ عَزِيزٌ يغلب أولياءه على أعدائه، حَكِيمٌ يعلم ما يليق بكمال حالهم ويخصهم بها، كما أمر بالإثخان، ومَنَعَ مِنْ أخذ الفداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخيَّر بينه وبين المنِّ لما تحولت الحال، وصارت الغلبة للمؤمنين.

رُوي أنه عليه الصلاة والسلام أُتِيَ يوم بدر بسَبْعِينَ أسِيراً، فيهم العَبَّاس وعَقيلُ بن أَبي طَالِبٍ. فاستأْذن فِيهِمْ فقال أبو بكر رضى الله عنه: قَومُكَ وأهلُك، اسْتَبِقهِمْ، لعلَّ الله يَتُوب عَلَيْهِمْ، وخُذْ مِنْهُمْ فدْيةً تُقَوِّي بِها أصحابك. وقال عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>