للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخلوا وقت الحديبية، في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبين قريش، فلم يكن نقض إلا قريش وبنو الديل من بني بكر، فأُمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض. وقال ابن عباس: هم قريش، وقال مجاهد: خزاعة، وفى هذين القولين نظر لأن قريشاً وخزاعة كانوا أسلموا وقت الأذان لأنهم أسلموا في الفتح، والأذان بعده بسنة.

قال تعالى في شأن من استثنى: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد ولم يغدروا، فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على الوفاء، أي: تربصوا بهم وانتظروا أمرهم، فإن استقاموا لكم فاستقيموا لهم، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الذين إذا عاهدوا وفوا، وإذا قالوا صدقوا.

ثم كرر استبعاد وفائهم فقال: كَيْفَ يصح منهم الوفاء بعهدكم وَهم إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ويظفروا بكم في وقعة لا يَرْقُبُوا أي: لا يراعوا فِيكُمْ إِلًّا قرابة أو حلفاً، وقيل: ربوبية، أي: لا يراعون فيكم عظمة الربوبية ولا يخافون عقابه، وَلا ذِمَّةً أي: عهداً، أو حقاً يعاب على إغفاله، يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ بأن يعدوكم بالإيمان، والطاعة، والوفاء بالعهد، في الحال، مع استبطان الكفر والغدْر، وَتَأْبى أي: تمنع قُلُوبُهُمْ ما تفوه به أفواههم، وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ متمردون، لا عقيدة تزجرهم، ولا مروءة تردعهم، وتخصيص الأكثر لما في بعض الكفرة من التمادي على العهد، والتعفف عما يجر إلى احدوثة السوء.

قاله البيضاوي.

اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ أي: استبدلوا بها ثَمَناً قَلِيلًا أي: عرضاً يسيراً، وهو اتباع الأهواء والشهوات، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ دينه المُوصل إليه، أو بيته بصد الحجاج عنه. إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: قبح عملهم هذا، أو ساء ما كانوا يعملون من كونهم لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً فيكون تفسيراً لعملهم السوء، لا تكريراً. وقيل: الأول في الناقضين العهد، وهذا خاص بالذين اشتروا، وهم اليهود، أو الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطمعهم.

وقوله تعالى: فِي مُؤْمِنٍ: فيه إشارة إلى أن عداوتهم إنما هي لأجل الإيمان فقط، وقوله أولاً: فِيكُمْ، كان يحتمل أن يظن ظان أن ذلك للإحن التي وقعت بينهم، فزال هذا الاحتمال بقوله: فِي مُؤْمِنٍ. قاله ابن عطية.

وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ في الشرارة والقبح. فَإِنْ تابُوا عن الكفر، وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

، حث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين وخصال التائبين. قاله البيضاوي.

الإشارة: لا ينبغي للخواص أن يثقوا بمحبة العوام، ولا يغتروا بما يسمعون من عهودهم، فإن محبتهم على الحروف، مهما رأوا خلاف ما أملوا من حروفهم، وأطماعهم، نكثوا وأدبروا، فللعارف غِنّى بالله عنهم. وفي ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>