للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: أول من أحدث ذلك: جُنادَهُ بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي من قابل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه، فتتبعه العرب.

ثم حرّموا شهراً آخر مكان المحرم لِيُواطِؤُا ليوافقوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، وهي الأربعة الحرم، فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ عليهم من القتال في الأشهر الحرم، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ أي: خذلهم وأضلهم، والمُزين حقيقة: الله، أو الشيطان حكمةً وأدباً. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ إلى طريق الرشد، ما داموا على غيهم، حتى يسلكوا سبيل نبيه صلى الله عليه وسلّم.

الإشارة: إنما تأخير التوبة واليقظة وترك السير إلى مقام التصفية والترقية، زيادة في البعد والقسوة، يضل به الذين هجروا طريق التربية والتصفية، عن مقام أهل الإحسان والمعرفة، فتارةً يُحلون المقام مع النفس الأمارة، ويقولون: قد انقطعت التربية، وعُدِمَ الطبيبُ الذي يداويها ويخرجها عن وصفها، وتارة يُحرمون المقام معها والاشتغال بحظوظها وهواها، ويقولون: البركة لا تنقطع، والمدد لا ينعدم، ليوافقوا بين الأمر بمجاهدتها في قوله:

وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا، وبين من قال: قد انقطعت التربية، زُيِّنَ لهم سوء أعمالهم، والله لا يهدي القوم الكافرين إلى السير والوصول إلى ربهم.

ثم عاتبهم على التأخر عن الجهاد فى غزوة تبوك، فقال:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)

قلت: (اثاقلتم) : أصله: تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء، وجلبت الهمزة للساكن، وقرىء على الأصل، وضمن معنى الإخلاد، فَعُدِّيَ بإلى.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، اثَّاقَلْتُمْ أي: تباطأتم وأخلدتم إِلَى الْأَرْضِ كسلاً وفشلاً، وكان ذلك في غزوة تبوك، أُمروا بها بعد رجوعهم من الطائف، في وقت عسر، وحَر، وبُعد الشقة، وكثرة العدو، فشق عليهم ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>