للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: انفروا إلى جهاد أنفسكم وقطع علائقكم وعوائقكم، لكي تستأهلوا لدخول حضرة ربكم، وسافروا إلى من يعينكم ويقوي مدد أجناد أنواركم، وهم المشايخ العارفون، فسيروا إليهم خفافاً وثقالاً، نشّاطا وكُسَّالاً، والغالب أن النفس يشق عليها ما يكون سبباً في قتلها، فلا ينفر إليها خفافاً أول مرة إلا النادر.

ثم أمر ببذل الأموال والمُهج في طريق الوصول إلى حضرة الله، وعاتب من تخلف عن ذلك وطلب الراحة والبقاء في وطن نفسه. قال القشيري: أمرهم بالقيام بحقه، والبدار إلى أداء أمره على جميع أحوالهم، خِفافاً أي: في حال حضور قلوبكم، فلا يمسُّكم نَصَبُ المجاهدات، وَثِقالًا أي: إذا رُدِدتُم إليكم في مقاساة نصب المكابدات. فإن البيعةَ أُخِذَتْ عليكم في المنشط والمكره. هـ. ومثله عند الورتجبي عن أبي عثمان قال: خفافاً وثقالاً في وقت النشاط والكراهية، فإن البيعة على هذا وقعت، كما روى عن جرير بن عبد الله أنه قال: بايعنا رسول الله على المنشط والمكره. هـ.

ثم عاتب رسوله صلّى الله عليه وسلّم لشدة قربه، وعظيم منزلته، وتلطّف له على إذنه للمنافقين فى التخلف، فقال:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)

يقول الحق جلّ جلاله، لنبيه- عليه الصلاة والسلام- ملاطفاً له في الكلام: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ، لِمَ بادرت إلى الإذن إلى المنافقين في التخلف، واستكفيت بالإذن العام في قولنا: فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «١» ، فإن الخواص من المقربين لا يكتفون بالإذن العام، بل يتوقفون إلى الإذن الخاص. ولذلك عُوتِبَ يونس عليه السلام. والمعنى: لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتذروا لك بأكاذيب؟ وهلا توقفت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في الاعتذار، وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فيه.

قال ابن عطية: قوله: الَّذِينَ صَدَقُوا يريد: في استئذانك، وأَنك لو لم تأذن لهم لخرجوا معك، وقوله:

وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ يريد: أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدِّك، وهم كَذَبة، قد عزموا على


(١) من الآية ٦٢ من سورة النور.

<<  <  ج: ص:  >  >>